حلب بما تشع به نفسه اللطيفة، وعقله الحصيف، مسلطا الاضواء على كنوز التراث العربي والعالمي، مغرما بالجمال انى كان ,, الجزيرة الثقافية اخترقت الشرنفة
الخضراء وادارت هذا الحوار فإليه,
،* د, عصام ,, انت معني بالجمال في جميع شؤونك ، وبخاصة فيما يتعلق بقراءة النصوص الشعرية القديمة والغوص فيها لا اجد اجمل من الحديث عنه، مدخلا لهذا
اللقاء فماذا تقول؟
،** تعد الدراسات الجمالية من الدراسات الحديثة، ويصنف علم الجمال مع الفلسفة , ولعل الفكر الاسلامي قد سبق تاريخ الفكر البشري بلاجدال في مناقشة هذا
العلم
في التعمق والتوغل فيه والاحاطة بجزئياته واصوله, اذا تأملنا في مجمل الاصول الفكرية الاسلامية وجدنا أنها تجعل من الجمال وعيا دائما في الانسان او ينبغي
ان يكون كذلك ليقترب الانسان من الله ، في كل شؤونه، الجمال لا ينظر اليه نظرة مجردة بل من نور الله، وبذلك ، فالجمال هو الخيط الذي يوحد بين الكائنات،
ليس الجمال شعورا عابرا او سطحيا بل هو حاجة ، وضرورة، ووجود، وحياة، وكمال!،
،* هل يعنى الجمال بالشكل فقط مثلا شكل القصيدة؟
،* الجمال هو الوسيلة والغاية معا، وهو البداية والنهاية, فلا مجال للثنائية: الشكل او المضمون , البديع عندما ازدهر كان الفكر فيه قد تجمد, واللغة -
برأيي
،- تمثل الخلاصة الانسانية من حيث الشكل والمضمون, يبدو ان الانسان القديم كان يرى اننا كلما بالغنا في الشكل أفلحنا في التعبير عن المعنى!,
،* د, عصام,, هل أنت مع هذه الرؤية؟
،** اي إفراط في الشكل يدل على بساطة في المعنى، وعمق المعنى يقتضي بساطة في الشكل, العمران اليوم يتجه الى الفن الداخلي غايته ذوقية جمالية بسيطة,
القصيدة
تسير في الناس لأنهم يجدون نفوسهم في هذه القصيدة,
،* وماذا عن الزخرفة؟
،** يرى الفلاسفة ان الحضارة الاسلامية الاولى ثارت على المشخصات، ومالت الى المجردات, فاذا كان هناك من يمثل الاسلام فهو الزخرفة التي تشير الى خصب النفس
وغنى الروح الاسلامية ولذاك قال كانت الزخرفة العربية عندي اجمل من حسناء!,
،* د, عصام,, هل تقتصر في بحوثك على المنهج الجمالي ام المنهج النفساني ام الجمع بينهما؟,
،** إن المنهج النفسي يقتضي بحثا جماليا ونفسيا، فهو خلاصة معقدة, فلكي أدرس دراسة نفسانية ينبغي ان اكون خالي الذهن مما يقال، وان اكون ملما بأسس الفن
واللغة لأن الباحث النفسي اذا لم يتقن اسرار اللغة واسرار البلاغة لن يستطيع ان يفهم بعض الرموز والاشارات,
،* ألا حدثتنا عن ابن زيدون وولادة بنت المستكفي بعد ان نظرت لهما من منظار المنهج النفسي والجمالي معا؟,
،** احب ابن زيدون ابنة آخر خلفاء بني امية وهو المستكفي، وأولع بها، وبادلته هذا، غير ان جفوة حصلت بينهما ، فهجرته الى ابن عبدوس وظل ابن زيدون يتغنى
بها
وتنتهي الرواية مصورة ابن زيدون عاشقا، ومصورة ولادة عاشقة متعالية منطوية على ترفع، وان ابن زيدون عاش على ذكراها بعد ذلك, ابن زيدون التقاها فشعر انه
يمكن ان يؤكد من خلالها ذاته ولم يحصل هذا وطعن في كبريائه ، فانقلب يتلذذ بحبه المتوهم يتعلق المرء بالهرب من الشيء اليه، وكأنه يستعذب الالم حبه ضرب من
توكيد الذات, ترنمه بولادة كان ترنما يؤلمه ، كان يحب ذاته ويحوِّم حولها, صورة ولادة هي صورة ذاته، هي الملامح النسوية له عندما يخرجها في صورة امرأة؟!,
،* وكيف نظرت الى طرفة بن العبد؟
،** إن طرفة ظاهرة واضحة لغلبة غريزة الموت في كل سلوكه وتصرفاته رفضه للحياة في ظل القبيلة، واسرافه الشديد للمال مع انه لا يملك منه الكثير, هجرته
الىالحيرة وغزله بأخت عمرو بن هند وهجاؤه له فليس في سلوكه ما يفسر اندفاعه سوى اندفاعه للموت على نحو غير واع, فهو شاب نشأ في ظل قبيلة ولكنه تمرد عليها
وأقبل على اللذات ، اهمل رعاية الابل وكأنه يقطع كل اسباب الحياة,
وعندما يطلب عامل البحرين ان يهرب لا يفعل، فغريزة الموت قويت عنده على نحو غطت على أسباب الحياة, فدائرة الحياة قصيرة لديه,
،* د, عصام,, حاولت ان تقارن في بحثك بين طرفة وبين الشاعر الالماني ريلكه فما وجه المقارنة او وجوه الشبه بينهما؟,
،** إن اللاشعور يوحد بين الاشياء توحيدا اسلم من العقل,
والذي يربط بين ريلكه وطرفة هو الاحساس بالموت احساسا طاغيا والاحساس بالقلق الوجودي احساسا طاغيا ايضا عاش ريلكه,
خمسين سنة غير انه عرضت له ظروف افضل من ظروف طرفة بن العبد وقدر له دخل مادي كان يمكن ان يكفيه، لكنه آثر حياة الفوضى على حياة الدعة والاستقرار وكان
هناك شيء يدفعه الى التشرد والقلق والضياع, عاش حياة بوهيمية يغلب عليها الشك والقلق واليأس والكآبة وبوشيِّ اليأس شعور طاغ بالموت, المستوى الثقافي يختلف
بين طرفة وريلكة,
الاندفاع الشعري عند طرفة كان قويا وموّارا بالصور والالوان المستوى الثقافي جعل من صور طرفة اكثر رمزية وصور ريلكة اقرب الى الوجود او الجدل الوجودي منه
الى التصوير الفني الواضح,
،* د, عصام,, الحديث معك يحلو ويطول,, لو تختتم هذا اللقاء بأسئلة موجزة تبحث عن اجابات وامضة مختزلة,
،* تفضل,
،* ما هو الفن؟
،** الفن هو طمأنينة القلب وهو يبصر المجرد عبر المحسوس,
،* السعادة؟
،** هي سعادة النفس والروح التي تتجلى في الحكمة والتأمل والاحساس بالسيطرة على الحياة سيطرة المتأمل,
،* اما الجمال؟
،** فهو إشعاع دائم من الداخل الى الخارج وهو بذلك يخلق نفسه في كل حركة,
،* الحضارة؟
،** الحضارة تنبثق عن روح خاصة، وعندما تنتهي هذه الروح يبدأ الموت,
،* والمدنية؟
،** هي الطور الاخير للحضارة,
،* ما غاية الشعر ام لاغاية له؟
،** الاساس في الشعر هو تعميق الحياة، وتكثيفها، وتجديد الشعور بها,