محمد المنصور أحد الشعراء الشباب الذين يحاولون الكتابة الجديدة سعيا الى ملامح مائزة تمنحهم موقعا داخل الراهن الشعري اليمني، لكن هناك معوقات منها ما
يخص الاجتماعي، وأيضا ما يخص الأدبي ذاته، هنا في هذه المساحة نحاول مع المنصور لمس بعض النقاط في تجربته خاصة وفي الراهن الشعري والأدبي في اليمن بعامة،
ودونما اسئلة تمهيدية، دخلنا تجربته مباشرة عبر هذا السؤال:
،* ضمن ما ينشر لك من نصوص شعرية, وبين وقت وآخر، نعثر على نصوص لافتة، بتواريخ قديمة قليلا، كما لو صدفة نقبض عليها اقصد انه كثيرا ما نقرأ لك قصائد
غنائية واحيانا باهتة كأنك تكتبها لأحد ما، هذه القصائد أحس انها تشوه شغلك الجميل في تلك النصوص,, حدثنا عن مراوحتك بين هذين المستويين في تجربتك؟
اتفق معك الى حد كبير في تقييمك لبعض النتاج المنشور، انا لا اتغيا من وراء القصيدة ما هو خارج عنها، فهي قد تكون لي او للآخر، الانسان في وسط نعيشه لا
قيمة له فنية أدبية خارج علاقاته وحميمته مع الوسط الثقافي,
اكتب القصيدة العمودية منذ بداية الثمانينات كما كنت متأثرا ومنذ البدايات بمحمود درويش والسياب، ثم جاءت الانتقالة التي وجدتها طبيعية باتجاه النثر، ولعل
لذلك علاقة بتأثري بأدونيس وأنسي الحاج والشعر الفرنسي والامريكي والاسباني، ولم احدد موقفا مسبقا من الشكل، لانني اعتبر حداثة المتنبي، وابي نواس وابي
تمام حاضرة واتعامل مع كل التجارب من فهمي أنا للنص وعلاقته بالذات والعالم، وقراءتي النقدية وكوني تلميذا جيدا للدكتور كمال ابو ديب، ولي معه حوارات
تطورت بالقراءة, لكل ذلك لم أجد غضاضة في التعايش مع كل النصوص والنص هنا بمعنى النوع بتعبير رولان بارت الذي يغرق بين الأثر الأدبي والنص,
وإنك اذ تستغرب القصائد ذات الغنائية فإن هناك من يستحسنها من خارج النقد أنثى صديق الخ وهناك نصوص كالتي تسمها لافتة، واشكرك على ذلك، لم تر النشر،
ربما لسوء تقدير مني بعدم وجود القارىء الجيد، والناقد المتلقي، انني احيانا ولفترات تجدني واقعا تحت تأثير تشكل ذهني معين يجعلني في منزلة ما بين منزلتين
بتعبير علم الكلام، وهناك تجارب تفرض علي وتطالبني اسمع لها أحيانا، وأحيانا اتمرد, انني اسعى لعدم الوقوع في براثن التكرار والتقليد والى تجاوز نفسي فيما
اكتب,
،* في نصوصك المميزة تلك هناك عدد منها يكاد يشير الى تجارب او لحظات مهمة في تجربتك غير أنك لا تراكمها في اطار تجارب بحيث تمثل تجربة متنوعة وثرية، بل
تظل كنصوص صحيح انها فاردة لكن بحاجة الى ان ترتكز واضحة في مخيلة القارىء عبر الاشتغال عليها وتكثيفها؟
أشرت في الإجابة على السؤال السابق الى فرضية انت صاحبها، وأنا اثق في تقييمك لي وانشدادك الى النص المتجاوز، الذي يحفر لنفسه مكانا، ويشهد بتحول،
وبكاره, واعترف لك ايها الصديق انني كسول في رسم أبعاد تجربتي، ومولع بكسر، والمثال، اسعى ولو على حساب ما قد تحبذه الى تجاوز نوعية من النصوص بنصوص
أخرى، فربما لمزاجي لا أحب ان أكون فقط شاعر قصيدة مدورة او عمودية او مقطعية او نثر، وأرى نفسي بلا شك احيانا في نصوص دون غيرها، ومن الصعب مراكمة ما
تسميه انت لحظات مهمة في تجربتي، من ذلك المفهوم الخاص بي ان غياب الصدى النقدي وتذبذب المفاهيم لدى كثير من الأسماء التي تنشر في الساحة تجعل التجريب
الممكن والمتاح، اين النقد الذي يتعدى كلمة جميل، ورائع تقال على استحياء من اصدقاء في مقيل او جلسة او على ناصية رصيف يئن من البؤس، والمتسولين,
وأعدك انني حينما أفكر بالنشر فانك ستجدني عند حسن ظنك بتجربتي,
،* أحيانا لا يخلو اشتغالك الشعري من مشاكسة لبعض الشائك، وبالرغم من الفنية العالية للنصوص إلا ان هذا الشائك يظل ليطل علينا بحدته مشرسا جمالية النص,,
أليس من طرائق اخرى لمقاربة هذه المسألة دونما ضجيج، بحيث تأتي متضامنة ولا مباشرة؟
العلاقة بين الأشكال والشائك في ثقافتنا العربية علاقة جدلية الاسبقية والاسقاط هنا لا يسعف خصوصا في الشعر، ان سؤالك/ الملاحظة لا يخلو من أهمية يمكن
صياغتها أوليا وتطويرها من خلال سؤاك ما قبل الأخير المتضمن إذعان وتسليم الثقافة الجديدة الخ,
واعتقد انه لو عدنا باختياراتنا الى الخلف على صعيد مفاهيمنا ورؤانا للثقافة، ومنها الشعر، لوجدنا اننا - أعني جيلنا والذي سبقه قد تورطنا في هذه الوضعية
البائسة للحداثة التي لم يتحقق منها في الراهن العربي أي شيء على جميع الأصعدة كلما انجزته الحداثة كان سابقا للواقع الذي تخلف عنها بأشواط، اين نقف نحن
الآن ربما لا أحد يعلم اولا يريد ان يعترف ان الخطابية في الشعر وكل أشكال الخطاب/ الموقف قد افسحت المجال للضبابية وبالتالي اغتراب الأديب عن الناس
وانحصار الأدب في النخبة التي لا تملك من أمر الواقع شيئا, ان الواقع الآن بحاجة الى أدب الموقف والذي لا يفرط في جمالية الأدب وفنيته, وقد نجح شعراء
كثيرون في هذا، وها هي الرواية العربية تحاول ان تحل محل الشعر, والواقع ان ملاحظاتك/ السؤال على تجربتي تكفي للإحساس بأن هنالك مأزق في راهن الثقافة
ووضعيتها الآن، ان أكثر الشعر قراء، وتداولاً هو شعر الموقف، وشعر القضية,
،* الجيل التسعيني بعامة، وانت واحد منه، ألا يبدو أنه بصدد حضور قوي ومغاير، فهو حتى الآن لا يتميز بشيء، تجارب مرتبكة وغير مركزة ومناطق الاشتغال مألوفة
وعادية حتى قصيدة النثر التي يفترض ان تكون صوتا خاصا هي لا تبدو كذلك بل ستسمع او تقرأ ضجيجا عن المكابدة والأجد إلخ, لكنك لن تقرأ نصا يربكك لفرادته,,
في المقابل يظل الجيل الثمانيني وحتى الأجيال التي قبله هي التي تحتل كامل المشهد عبر جماليات واشتغال، سيبدو انه اكثر جدة من جيلكم ماذا ترى؟
لاحظ أدونيس في مقابلة معه نشرتها القدس العربي في وقت سابق، نفس ملاحظاتك لكن على المشهد العربي برمته، وتمنى ان يأتي من يقتل الأب أدونيس ويتجاوزه لا
أن يظل يعذبه, وربما يختلف معك آخرون في تقييم الجيل التسعيني، وانجازاته التي لن تقيّم إلا بعد مرور بعض الوقت، وبدون طباعة دواوين ومجموعات هذا الجيل،
لا يمكن الحكم من ملاحظة عابرة عبر قراءات متفرقة في الصحف والمجلات، وملاحظاتك حول ما يفعله الجيل التسعيني ربما صحيحة والسبب/ الأسباب مختلفة، وكثيرة
تعود ربما لدى البعض لاستسهال الدخول والمغامرة بالكتابة ومحدودية القراءة، واطمئنان هذا البعض بعد النشر في الصحف، والملاحق، وتتعاظم المصيبة في غياب
النقد، وسيادة المجاملة، والعلاقاتية إلخ,, كل ذلك يشوش كثيرا المتلقي والنتاج ويجعله غير متمايز ولا يسلك عبر مبدعيه في طرق ريادية جديدة او مبتكرة
ومتميزة,
واتمنى ان يكون الجيل اللاحق لذلك الجيل قادرا على تجاوز من سبق، ويمثل بصدق حساسيته الجديدة وأكثر جدة من جيلنا المضطهد,
،* تبدو الثقافة الجديدة، اذا وجدت، في حالة اذعان وتسليم لكل ما يأتي او يصدر من واحد او اثنين على الأكثر من الأدباء الكبار هنا,, فلا حوار او اختلاف او
حتى ملاحظات حول ما يطرحه هذان، واذا وجد رأي يحاول ان يقول بمغايرة، فلن يأتي إلا في اطار نميمة وليس في شكل موضوعي، في الصحف مثلا، هذا الوضع كرس
للثقافة سلبية، غير جدالية، وغير حوارية,, كيف تلمس هذه المسألة؟
،- الوضع الذي اشرت إليه في السؤال، الحالة الراهنة تحديدا تجده قائما لا يفعل الأمر الطبيعي الذي يرى بتواصل الأجيال والاستفادة إلخ,
المصيبة ان هنالك من الجدد سواء كانوا شعراء او كتّابا او,, لا يرون أنفسهم خارج الوصاية والرعاية,, التي تمتد الى الوظيفة الرسمية، ومسائل أخرى جانبية
والمؤكد ان تكريس الثقافة السلبية التي تخضع للمألوف والنمطي تعبير عن الفقر الإبداعي والديناميكية الابداعية الخلاقة في هذا الحيز من الزمن,
وأشير الى انه ايضا بدون احاطة جيل الرواد بالجميل والعرفان لهم بالدور,,، فلا تكون التنكرية، والاجحاف بحق الآخرين إلا تقليدا يتعامى عن رهافة وجمالية
الجدل والتمايز والمغايرة في عالم الإبداع الجميل,
،* في الفترة الماضية صدر العديد من الكتب: شعر، قصة، نقد لشباب وغيرهم,, هل ثمة فكرة لديك عن ما يمكن ان تمثلة او تتطوى عليه من قيم جديدة؟
تيسر لي الاطلاع على أكثرية العناوين وبعض النتاج الذي صدر في الفترة الماضية، الاصدار بحد ذاته، يعتبر قيمة في راهن الثقافة اليمنية التي لا اولويات
لديها ولا تقاليد,
قرأت ديوان نبيلة الزبير الأخير وديوان الرازحي الحمامة و(نصف انحناءة) للشاعرة هدى أبلان، ومجموعة (أسلاك تصطخب) وبعض نتاجات اخرى فوجدت من ضمن ملاحظات
اخرى ان التوجه الأدبي في اليمن قد حسم خياراته باتجاه الحداثة ثم تتفاوت بعد ذلك مسألة تقويم كل نتاج، وأثر ذلك على المبدع الذي هو بحاجة لسماع الصدى،
والأثر بعيدا عن المجاملة والكلمات القاموسية المهلهلة التي لا تمت للنقد بصلة,