محمد الغيطي
يعد د, جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة المصرية واحدا من أبرز وجوه الثقافة العربية في مجال النقد,, فهو صاحب دراسات نقدية متميزة وشاملة
لكافة جوانب الابداع في حياتنا الثقافية,
قدم للمكتبة العربية في السنوات الأخيرة كتابين مهمين هما اقنعة الشعر العربي والنظريات النقدية المعاصرة ، بالاضافة الى متابعاته المستمرة لابداعات
الشباب,
التقيناه في القاهرة وحدثنا عن حاضر حركة النقد الأدبي المعاصر وأين وصلت؟ كما تناول في بداية الحوار دراساته النقدية والشعراء العرب الذين تناولهم,
يقول د, جابر عصفور: كتاب أقنعة الشعر العربي هو دراسة للشعر العربي في تحولاته الأساسية التي مرّ بها مطالع الستينات في المرحلة التي يمكن تسميتها
بمرحلة الحداثة وتركزت الدراسة على الشعراء العرب البارزين على نحو يجعل من كل قطر عربي ممثلا في الدراسة وبطريقة تضم ما بين : البياتي والسياب في العراق،
وصلاح عبدالصبور وأمل دنقل في مصر وأدونيس وعبدالعزيز المقالح مع عفيفي مطر,
وتمضي الدراسة حتى تصل الى نهاية السبعينات لترصد التغير الذي طرأ على ظاهرة استخدام الأقنعة وتعتمد على منهج تركيبي يقوم على تحديد العناصر الأساسية
والعمليات الوظيفية التي تقوم عليها,
أما كتاب النظريات النقدية المعاصرة فيقوم على ترجمة مجموعة من الدراسات الأساسية التي هي بمثابة الأصول المهمة لكل النظريات النقدية المعاصرة, من هذا
المنظور يحتوي الكتاب على دراسات للمدارس الشكلية والبنيوية وما بعد البنيوية ونظريات الاستقبال وما يسمى بالنقد النسائي,
،* ماذا عن حاضر حركة النقد الأدبي المعاصر وكيف ظهرت؟
،- هناك حركة نقدية حديثة تبدأ في السيطرة على الساحة النقدية والأدبية في الوطن العربي، هذه الحركة بدأت في اعقاب نكسة 1967 وظلت تتصاعد شيئا فشيئا الى ان
وصلت الى اكتمالها النسبي مع مطلع الثمانينات ولا يمكن اختزال هذه الحركة النقدية في مدرسة واحدة كما يتصور البعض كمن يفترضون ان هذه الحركة النقدية
مقصورة على البنيوية، فهذه الحركة أوسع من البنيوية وتحتوي مدارس كثيرة, وأهم من ذلك ما بعد البنيوية,
،* وما هو القاسم المشترك الذي يجمع نقاد هذه الحركة الجديدة؟
،- انهم يجمعون بين الدراسات المتعمقة في التراث النقدي والعربي الجاد بالنظريات الغربية أو الأوروبية المعاصرة، وأصحاب هذا الاتجاه النقدي الجديد ينطلقون
من الواقع العربي ومشكلاته المعقدة،ويحاولون ان يطرحوا على المستوى الأدبي النقدي تنظيرات وتصورات ذات طبيعة جذرية تساعد على تطوير هذا الواقع في مستوياته
الأدبية الابداعية من ناحية، وفي مستوياته النظرية الفلسفية من ناحية ثانية,
ونقاد هذا الاتجاه الجديد يركزون على التنظير النقدي وعلى عمليات التأصيل وذلك ايمانا منهم بأن الأدوات النظية للناقد لها أولوية وانه ينبغي التركيز عليها
على نحو يساعد الناقد في المستقبل على التصدي للكثير من المشكلات العميقة,
وممثلو هذا الاتجاه النقدي الجديد يؤمنون بأن وظيفة النقد قد تغيرت وان الناقد لم يعد يقوم بدور المتابع السريع أو بدور الدليل السياحي، فهذه المهمة قام
بها القدماء وأدتها الاجيال السابقة بنجاح عظيم,
،* وما الذي ينبغي القيام به الآن؟
،- العمل على ايجاد النقد الذي يوازي الدرس الجاد والجهد المتعمق والصبر الطويل على النصوص والنظريات وعلى نحو يترك المراجعة والمقابلة لمن يمكن ان نسميه
بالصحفي النقدي أي الصحفي المتخصص في الدراسات الأدبية الذي يقوم بدور المتابعة السريعة على ان يترك التأصيل العميق للناقد العربي الدقيق والجديد في نفس
الوقت,
،* إذن الكيف هو الموضوع في الاعتبار لا الكم؟
،- في تصوري ان الناقد الذي يكتب دراسة نقدية واحدة كل ستة أشهر على سبيل المثال، انما يمكن ان يكون مؤثرا أكثر من ذلك الذي يتمتع بالقدرة على الاسهال في
الكتابة التي قد تسطح الوعي أو نزيف الاعمال الأدبية,
،* ألا يمكن ان يكون لهذا الاتجاه جوانب سلبية يجب على ممثلي العمل تداركها؟
،- أول سلبية ينبغي ان يواجهها ممثلو هذا الاتجاه تحوله الى موضة شائعة وذلك لأن الموضات تجتذب دائما الهواة ومحبي التقليد,
وهؤلاء اخطر على الاتجاه الجديد من اعدائه وعلينا ان نتذكر ان العدو العاقل - في أحيان كثيرة- افضل من الصديق الجاهل,
السلبية الثانية التي ينبغي لممثلي هذا الاتجاه معالجتها هي تحويل المصطلحات المعقدة للاتجاه الجديد والمفاهيم الصعبة الى مصطلحات ميسورة ومفاهيم شائعة،
ذلك لأن لغة النقد الأدبي لم تتحول بعد الى لغة ميسرة,
والسلبية الثالثة تتصل بالاصول النظرية لهذا النقد الجديد, ولابد من ترجمة هذه الاصول من لغتنا الاصلية وإتاحة هذه الترجمات للناس حتى يصبح القارىء على
وعي بأصول الاتجاهات الجديدة,
في الوقت نفسه لابد فيه من بذل جهد مماثل في اعادة قراءة التراث النقدي لوصل النظريات الجديدة بالنظريات التراثية القديمة على نحو تتجاوب فيه الاصالة مع
المعاصرة، والوافد مع الثابت، والسلبية الأكثر أهمية تتصل بقلة الدراسات التطبيقية لنقاد هذا الاتجاه الجديد, والمؤكد ان النقاد الذي ينتمون الى هذا
التيار الجديد لابد لهم من تقديم دراسات نقدية تطبيقية تواكب الأعمال الابداعية في حركتها المعاصرة من ناحية، وتقرب بين هذه الأعمال والقارىء من ناحية
ثانية, وتقدم هذه النظريات نفسها من خلال منجزات ملموسة تطبيقية من ناحية ثالثة,
والسلبية الأخيرة تتصل بعدم التكامل بين المستويات المختلفة في العملية النقدية، فالمفروض ان تقوم العملية النقدية على المستوى الأكثر يسرا والذي يتناول
المجلة الشهرية ثم المستوى الأكثر اختزالا الذي يناسب المجلة الاسبوعية,
وللأسف لا يوجد توازن بين هذه المستويات، بل هناك تركيز على واحد منها فحسب، وبطريقة تحدث خللا وفراغا في بقية المستويات مما يخلق الانطباع بغياب التأثير
الفعال للنقد الجديد,