من قصص الجزيرة،،غداً يوم آخر،، العازف
عبد الباقي يوسف
لو لا تجدد وتطور اللغة لضجر الانسان كل هذه القراءات ولما كانت ثمة قراءة تصمد الى هذا الوقت المتأخر وتخلد اللغة بموسيقاها بمقدار ما تتدفق فيها قوة
الموسيقى وكذلك فإن اللغة تموت وثمة لغة تولد من رحمها ميتة وثمة لغة تولد لتخلد لترفض اي لون من الوان الموت، اذ ان الحكائية والسردية والموهبة والقدرات
الابداعية الخارقة لا تكفي ولكن تأتي اللغة لتقدم الجمال الابدي الذي يلبث بهيّاً وتبقى اللغة العربية، لغة القرآن الثرية، مليئة بدواعي الخلود والتطور
اكثر من اي لغة حية اخرى على وجه الارض، انها اللغة التي تخلد وتبدع فيها شتى اجناس الفنون والاداب ولعل كتب التراث التي تنبض اليوم خير شاهد على قابلية
هذه اللغة للاكتشافات والتأويل والاجتهادات ولكن المشكلة تكمن في مجتمعات هذه اللغة التي لا تقرأ، ولا تكاد تثق بالفنون والآداب لاسباب عديدة اهمها انها
مجتمعات رعوية وزراعية ومؤخرا مجتمعات نفطية والحقيقة ان - المرحلة النفطية - بحكم اقترابها من الصناعة والعلوم والحداثة والتكنولوجيا فإنها تنحو نحو
القراءة اكثر من الرعاة والمزارعين ومربي الاغنام وهكذا فإن الاصدارات العربية في منطقة الخليج العربي وخاصة في الجزيرة العربية هي اوفر حظا واوسع انتشارا
واكثر اقبالا وهناك ادلة اكيدة مثل اعداد الصحف والمجلات والاصدارات والنوادي والانشطة والمهرجانات والمسابقات الكبرى التي تنطلق عادة من هناك اضافة الى
وسائل التثقيف الاخرى مثل القنوات الفضائية فإن الانظار العربية تتجه دوما الى منطقة الخليج التي استطاعت ان تعيد ثقة القارئ والمتلقي العربي اليها بعد ان
كان كاملا للغرب من قبل وهذه القنوات الجريئة ايضا معروفة وترفض بنسبة عالية الوصاية التوجيهية وفي الواقع فإن هذه الصحيفة تدخل ضمن هذا الاعلام الذي
يتمتع بسمعة جماهيرية طيبة بدرجة تكاد تميزها بنسبة عالية على سائر الصحافة العربية، اسوق هذه المقدمة للحديث عن قصتين جديدتين من القصص الجيدة التي
تنشرها الجزيرة لطلائع القصة الخليجية والعربية،
غدا يوم آخر
قصة قصيرة للقاصة منيرة ناصر من منطقة (الخرج) وهي قاصة غزيرة النتاج وعودتنا على قصصها الجديدة التي تتناولها عادة من الواقع فتكون قصصا توجيهية تحمل
الكثير من الوعظ والتوجيه حسب رؤية الكاتبة في فكرتها المطروحة،
وهذه القصة الجديدة تسلط الضوء على ظاهرة سيئة جاءت مع هذا الانفجار وهذا التحول في المجتمع وهي ظاهرة كثرة وسائل السير التي تكاد تصبح اكثر من عدد
السكان انفسهم وهنا تنبه الكاتبة (وبتنبؤية) مرة اخرى الى ان النعمة يمكن لها ان تتحول الى نقمة اذا ما اسيئ استخدامها فهنا وبذكاء مدهش تبيّن حادثة أليمة
لطفلة من الصف الاول الابتدائي تموت فيها تحت عجلات السير وهي اشارة هامة من الكاتبة الى خطورة استخدام السير بأيدي بعض المراهقين وبنفس الوقت فهي دعوة
للإنسان نفسه وفي مختلف مراحله للحذر في التعامل مع وسائل السير وهنا السيارة كمثال لكن الموضوع يكون عاما ويأتي الى وسائل التكنولوججيا الحديثة التي غزت
الاوساط الاجتماعية بما يشبه الصدمة وقد نجحت الكاتبة في ايراد هذا الحادث كرمز للمستقبل لأن الطفولة تعني المستقبل وان موت الطفولة ظاهرة تستحق الوقوف
عندها ومعالجتها بكل الوسائل الممكنة وكانت اللغة جيدة انسيابية ومقنعة مثال: حين لملمت السنة آخر ايامها، وآذنت بالرحيل كنت يا نوف تعلنين الوداع ايضا،
وثمة اشارة اخرى الى ما تركته هذه الطفلة من ادوات مدرسية مثل مبراة صغيرة ظلت بين الأنامل،، حروف صغيرة خطتها، رسومات رائعة جاد بها خيالها،، تبقى هذه
القصة من القصص التي ابدعتها الكاتبة والتي تعلق في الذاكرة الى امد بعيد،
العازف
وهي قصة قصيرة للقاص خالد السعيد وهو يكتب بحساسية موضوعية ولغوية بالغة فيصور حياة عازف يخرج من واقعه ويدخل الى عالم النوتة التي يعزفها وهذا ما
يذكرنا بموضوعية الصدق مع العمل مهما كان نوع هذا العمل وان اي انسان يطبع بصمته من خلال عمله الذي يخلفه وهناك رمز آخر يدعم هذه الفكرة وهي تقسيم القصة
الى ثلاث مراحل وهذه المراحل هي: انشودة التكوين - الانتماء - الحزن،،
وهي تشير إلى مراحل عمر الانسان من طفولة ويفاعة وشيخوخة ففي نهاية هذه القصة يصاب العازف بالعمى والعمى هو رمز الظلام،،، ظلام القبر بينما يبقى عزفه
يُسمع الحضور وبطبيعة الحال فإن اي انسان يمكن له ان يتمثل شخصية هذا الفنان العازف والكاتب يسرد تفاصيل بطله بلغة قصصية عريقة مستفيدا من سردية التراث
العربي وهي كذلك من القصص الجيدة التي تستحق القراءة والاشارة فهي بذلك تنتمي الى القصص الكونية التي تطرح اسئلة مصيرية كبرى على ضمير الانسان من خلال
مدخل يراه الكاتب مناسبا لطرح ما يرى هو الآخر في هذه المسألة فقد قال هذا الرجل ما يريد ونحن سمعنا وهذا هو اولى واهم اشكال التواصل في اعتقادي،
هامش:
،1- غدا يوم آخر - قصة الكاتبة منيرة ناصر منشورة في العدد 9368 الثقافية 2- العازف - قصة خالد سعيد - منشورة في العدد رقم 9373 الثقافية،


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved