الافادات من جانب الشعر، في علاقته بالنثر، وهو منذ البداية يختلف مع مسألة تكريس عزلة الانواع الادبية منحازا ومتبنيا فكرة ان الانواع تتنافذ وتتداخل،
الى حد انه يرى ان جزءا مهما من تطور الشعرية،، يكمن في التخفيف من حدة الفواصل بين الاجناس، هذا التنافذ والتفاعل بين الاجناس، ترك مزايا ومظاهر فنية
حاولت الرسالة تلمسها: عبر تحديد عدد من الانماط النوعية الطارئة على الشعر بمفهومه التقليدي الخاضع للرواية الغنائية الاشعر وصفا او انفعالا،، وكذا
تحديد التشكلات البنائية التي تتخذها، فيتضح بذلك مدى استفادة الشعري من النثري عامة، ومن السردي على وجه الخصوص وقد جاءت استضافة القص في القصيدة
الحديثة ، حسب الصكر، لا على اساس مسخها وتحويلها الى قصة مكتملة العناصر والشروط الفنية المطلوبة،بل على اساس الانطلاق من منطقة الشعر دائما، واخذ ما
يقوي مركزيته ويوضح رؤيته، هذا الامر، اقتضى من الباحث توسيع مفهوم (التناص) الذي لم يعد في رأي الناقد، يعني مجرد وجود او حياة نص ما في نص آخر بل توسع
وتمدد ليشمل:
،1- التناص النوعي بين الانواع الشعرية والنثرية،
،2- التناص الموضوعي: بين مجالات عمل القصيدة وموضوعاتها، ومجالات اشتغال السرد ومضوعاته،
،3- التناص اللغوي: القائم على استعارة ضمائر الخطاب القصصي الممكنة ومزج الذوات في هيئات وكيفيات مختلفة لتعبر عن أنا الشاعر وأنا نصه وانا القارئ ايضا،
،4- التناص الفني والاسلوبي المستوعب لامكانات الملحمة والتاريخ والقناع والرمز والحكاية،
،5- التناص الجمالي على مستوى قراءة النصوص ونقدها، حيث ادخلت الى آليات القراءة ولغة النقد الشعري، إجراءات تحليلية ومقترحات من الفنون القصصية
المجاورة،
وذلك كان مدعاة لتخفيف الغنائية، بحسب الصكر، وما يماشيها من مزايا اسلوبية كالمباشرة والتقريرية والهيمانات اللغوية والعاطفية،
وقد كانت الرسالة في ثلاثة ابواب، الاول: تناول فيه الناقد، في فصلين، الجوانب النظرية لموضوع البحث وتقصي علاقة الشعري بالسردي، وايضا النغم السردي في
الشعر منطلقا الباحث من ان اهم مقولات الحداثة تكمن في اطلاق القصيدة من القيود التي حالت دون وجود الملحمة في الادب العربي وفي هذا الباب قام الناقد
باقتراح قراءة سردية للقصائد الحديثة، بعد ان بيّن اهم اتجاهات السرد وانقسامهم الى فريق يحدد موضوع السردية بالتعبير أي صيغ السرد اللسانية واللغوية
والثاني يهتم بالمحتوى الحكائي ومضمون الافعال السردية ومدلولها وهو تيار يعنى بالمعنى والدلالة، محاولا التوفيق بين التيارين، اذ يرى: ان موضوع السردية
يجب الا يكون ضيقا ليقف عند المحتوى او صيغ السرد، وقد ميز، الناقد بين نوعين من السرد بحسب ظهور السارد او حضوره،
،1- السرد الذاتي المتميز بحضور السارد عبر اللغة ووجهة النظر والفعل،
،2- السرد الخارجي او الموضوعي المتميز،
ومن خلال التمييز بين انواع السرد، وتحديد: انواع وجهات النظر ومواقع الرواة ونقاط التبئير والشخصيات والزمان والفضاء واطر السرد كالعناوين والاهداءات
والاستهلالات والخواتم والحيل السردية الممكنة كالاستباق والتأجيل والتوقفات وغيرها يتوصل الصكر الى تسمية ستة انواع من القصائد الحديثة: ثلاث منها
ينطبق عليها مفهوم السرد الذاتي وثلاث منها ينطبق عليها مفهوم السرد الموضوعي، ضمن مفهوم السرد الذاتي اندرجت قصائد كل من ادونيس، عبدالعزيز المقالح
ومحمود درويش، وهذه تمثل انماطا من القصيدة السردية الذاتية، بينما كانت هناك ثلاثة انماط من قصيدة السرد الموضوعي: القصيدة المطولة لدى السياب وقصيدة
الواقعة التاريخية لدى امل دنقل، وقصيدة الحكاية لدى حسب الشيخ جعفر،
والرسالة تعتبر ان قصيدة المرايا لأدونيس تطوير تقني يقدمه : في مجال الكد الشعري الدائم الذي يقوم به منذ بواكيره، متتبعة الرسالة، وجود المرآة: في
شعره قبل وجودها الاصطلاحي الصريح، مفرقة بين القناع والمرآة: حيث يرتهن القناع بما هو تاريخي وشديد الصلة بالوجه، وقد مر أدونيس، حسب الرسالة بمرحلة
القناع في قصائد كثيرة،، ثم تطور الى التوحد بالرموز عبر المنولوج الدرامي والقصيدة المسرحية والطويلة وصولا الى قصيدة المرايا حيث تغلب الرؤية النرسيسية
أي النرجسية المركزة للذات ولكن عبر صنع وسيط مرآتي مائي، وهذا التوحد الثلاثي بين الشاعر والمرآة والماء يقتضي، في رأي الناقد تنويعات لسانية تتصل بضمير
السرد المهيمن،، وكانت موضوعاتها متنوعة تتصل بالاشياء والافكار المجردة والشخصيات التاريخية والمعاصرة والازمنة والامكنة،، وكان الحاصل ان قصائد
المرايا شاشات يعرض فيها ادونيس انعكاسات سردية متعينة ولكن بحصيلة او ذخيرة شعرية دائما ويتوقف الناقد عند قصيدة الرمز المقنع، التي يجد فيها تطويرا
سرديا آخر للقناع الرمزي، لدى الشاعر عبدالعزيز المقالح، حيث لا يكتفي، كما يقول الناقد، باستخدام الرموز او الاساطير مستقلة او مرهونة بتاريخها الشائع،
وانما دأب على بناء او انجاز بنية تركيبية ومركبة لقصيدته يمتزج فيها الرمز والاسطورة، والقناع، والتاريخ والمخيلة وتعديل الوقائع،، وقد بين الناقد
مبررات التطبيق على شعر المقالح، وهي ملخصة، بكونه من الجيل التالي مباشرة لرواد الحداثة، المستفيد من شعرهم، والمخالف لطرائقهم في انجاز برنامج الحداثة،
ولعنايته بالرموز الاسطورية المقنعة بشكل واضح، ولايمانه غير المحدود بالتجديد، ووعيه بتقارب الانواع الادبية وتجاوزها للمعهود او المرسوم، ولفهمه
المتقدم لدور الرمز في القصيدة كعنصر بنائي ووظيفي وجمالي معا،
ومن نماذجه التي تم اختيارها،، وضاح اليمن وسيف بن ذي يزن وعلي بن الفضل ومالك بن الريب وابن زريق البغدادي، وقد حللت الرسالة هذه الشخصيات ومدى تحريك
المقالح لوجودها التاريخي حيث اكسبها بعدا عصريا،، واستحضر الواقعة التاريخية والشعرية والاسطورية والمعاصرة وازمنة الماضي والحاضر وزمن الكتابة من خلال
الرمز والقناع والاسطورة وبالحوار والاستبطان والتداعيات وبتقنية التدوير ومزج التفعيلة والقافية المقطعية، وقد كان ثالث نموذج للقصيدة السردية هو قصيدة
السيرة لدى درويش،، وبدأ الناقد ببيان: المزايا النوعية للسيرة كفن يتأرجح بين الرواية والتاريخ الشخصي،
كما عرف بامكانات هذا الفن المتنوعة كالمذكرات والقص والرسائل وغير ذلك،، ويتساءل الصكر في بحثه عن إمكان وجود سيرة ذاتية شعرية، ويعثر على نموذج كامل لها
هو لماذا تركت الحصان وحيدا لدرويش، موضحا: توترها الدرامي المتحصل من لحظات تصادم اساسية بين:
،1- السرد ممثلا بالرواية السيرية، والشعر المؤطر لها،
،2- زمن السرد السيري (الماضي) وزمن الكتابة (الحاضر)،،
،3- أنا الشاعر والراوي ، وأنا السارد او الكائن السيري،
،4- الوعي القائم في اللحظة السيرية ككتابة ابداعية، والوعي المحدود بزمن الوقائع المستعادة،
،5- تداعيات الذاكرة وتزويقات المخيلة الصورية،
،6- خطية السيرة وتتابع احداثها ووقائعها ونسق الشعر القائم على التداخل لا التتابع الخطي، وقد انعكس ذلك في التشكيل البنائي للسيرة التي برر اختيارها وعي
كاتبها بنوعها الجديد ومتابعة نشأته طفلا ولاجئا وشاعرا في عمله المميز (لماذا ،،)، الباب الثالث والاخير عالج فيه، الباحث ، قصائد السرد الموضوعي الاقرب
الى القص من سابقاتها ، بادئا بالمطول دارسا شعر السياب، متوقفا عند المومس العمياء، مخضعا إياها الى اجراءات السرد ونظمه، وفي الفصل الثاني من هذا الباب
حاول الصكر تجنيس قصيدة (الواقعية التاريخية) لدى أمل دنقل مميزا هذا النمط السردي عن قصائد القناع بكون دنقل يستل الواقعة كاملة من تسلسلها التاريخي
،(حرب البسوس مثلا) ليصفها كاملة في سياقها الجديد منتهيا الى قصيدة من نمط جديد، حسب تعبير الباحث، وهي قصيدة الحكاية لحسب الشيخ جعفر، دارسا وجودها في
الشعر الحديث مستقلة عن القصة لما فيها من طاقة الخيال والمحاكاة الشعبية والاسطورية ، متوقفا عند عودة حسب الشيخ لهذه الحكايات ومصادرها الشرقية
والغربية والتحوير الذي اجراه عليها بعد ان وجد لها شكل السونتيه المناسب لمنبتها القديم وقد ناقشت الرسالة إيغال الشاعر في غرابة مفردات القصيدة ثم
تحرره من ذلك وتخفيف قاموسيتها في تجاربه الأخيرة ،
صنعاء أحمد زين