بعربانة كسيارة لها (كفرات) هكذا سيارة مما نحن نسمع بها في البلاد المتقدمة، وكنا فقراء، لا نحلم باقتناء أمثال هذا الحمار، وأما السيارات فيقال إنها،
أو إننا، غير اكفاء لها إلا إذا صار عندنا (غاز) مثل أهل (ذيك الديار) (غاز أي بترول)،،
لم يبق في الرياض أحد لم يذهب إلى سوق (المقيبرة) ليتفرج على الحمار والحمَّار، ولم يبق في الرياض حمَّار إلا وقد حضر الاجتماع العاجل المهم في بيت الكبير
فيهم ليخرجوا بخطة عمل واحدة،
وفي صباح اليوم الثاني وكانوا قد أبكَروا وأزاحوا من أول الليل الأفكار البليدة والخائرة من اذهان بعض المساكين المساكين ممن كان يرى ان من الافضل رفع
الشكوى إلى هذا، أو ذاك، أو أعلى، أو فوق،
فيا إلهي ماذا يدور في خلد الحمارين في اقتصاديات التسويق والمنافسة، والمسألة مسألة عرض وطلب تحت حماية مكفولة للجميع، إنهم كما ترى في منافسة مع حمار
جديد لعله يحضر وهو يرتدي ثوب خز (ولو لبس الحمار ثياب خزٍّ، لقال الناسُ: يالك من حمار) غير أنه وقد حضر ولم يلبس ثياب خز ولابز، لبس عنان حصان وخلفه
،(العربانة) وقد حضر متأخرا إلى وقت الضحى، وصاحبه الحمَّار واسمه (النويمي) كما حكى وابان لايريد ان يبدأ بحمل التوافه للناس التوافه، وراح الضحى كله وحان
وقت صلاة الظهر والناس يمرون من عنده ويتفرجون، وقد داخله الغرور فلم يتحرك لصوت الداعي إلى الصلاة حتى عاد إليه الداعي وكرر الصوت ونهر فيه يأمره أن
يتحرك فلم يتحرك،
نهره أخيراً فاندفع الحمَّار وترك الحمار وصلى وعاد إليه فأنكر فيه أن حماره اليوم غير حماره بالأمس، تفجَّجت مناخره، وسال من وجهه عرق ما لبث أن جعله
يغمض عينيه ليسقط مفحوجا فوق الارض،
هكذا تصرف الحمارون، عرضوا الأمر على المستشار الداهية في سوق المقيبرة، وجاءتهم الافكار تترى بقول أم تريكي (بياعة الهبيد) بأن يُدق الشب الابيض ويسحن مع
النشادر الممزوج مع الكامور ويوضع في خرقة بحجم الابهام ويدس علي حين غفلة في خشم الحمار، وكانوا قد فعلوها، ثم قيل لهم كنصيحة إذا هم يريدون ان يصاب
الحمار بالجنون، فما عليهم إلا ان يعمدوا إلى ايقاد شعلة نار تلقاء وجهه ثم القيام بتعريض عينيه الى رؤية (المكواة) وهي تُشلهب وتتوعد بالذي لابد وأن يصير
للحمار الذي ستقع فوقه نار المكواة، وإنه لمن المعلوم انه في امثال العرب السائرة قولهم: (قد يضرط العير والمكواة في النار)،،
وهذا الحمار مهما كان بأسه سيصاب بالموتة البغتة، قبل ان تظهر آثار المساحيق ولكن الحمار العنيد لم يصب بسوء غير هذه السقطة ثم قام وعاد به صاحبه الى
المنزل ليعود بعد صلاة العصر،
ليست هذه هي مشكلة تستحق التفكير عند الحمارين، فالحمار لم يصبر حتى العصر فقد نفق وهو في الطريق، ولكن المشكلة عندهم هي في رغبتهم في طرد (النويمي) من
البلد كلها ليعود إلى بلده وقبره هناك،
لم يشك احد في هؤلاء انهم فعلوا شيئا يستحق الذكر، ولا أحد يدري ان لهؤلاء علاقة في بعض ما تسمعه من كلام الناس،
شوهد هذا (النويمي) ذات صباح وقد ترقى سطوحات داره وصار يرجم الناس بالحجارة،
إذن، انهبل؟؟
شوهد وهو يدخل حارة (شِكّرقا) من داعوس للكلاب وقيل بأنهم قد شاهدوه في علاقة مريبة مع (شيء) لايقال!!،
وقيل بأنه مطلوب في قضية (تهريب) دخان (تتن) وقد اخفى انه هو الذي كان قد استورد ذاك، وذاك، وذاك،
وقيلت اشياء كثيرة ولكن القول الثابت انه غاب عن الوجود لانه مهما كان فهو مجرد (حمَّار) لا يفهم اي شيء غير الزبرقة، والزبرقة لا تثبت امام المهنة عند
أهل المهنة،
طبعا هؤلاء الحمارون بمقياس البطولة القبلية والعرفية رجال وأصحاب مواهب وقدرات لايستهان بها،، فالحمار الذي هم الصق الناس به لايمكن عَسَفُه وترويضه إلا
بقوانين مدروسة صارمة أشد صرامة من قوانين عسف الحصان وترويضه،
فالحمار إذا صار ضعيفا انهكك، وإن صار قويا اتعبك، والحمار لا يجيد ضبط المسافات عندما ينعكف مع انعكاف زاوية الجدار فتصطدم الاحمال بالازواد وتسقط
الامتعة ويغرم الحمَّار قيمة البضائع والمحمولات وهو بليد عندما يراد منه ان يدخل باب البيت وفوق ظهره بضاعة تتعدى طول السقف فلا هو يتريث كالحصان، ولا
يتوقف كالفيل، ثم إنه إذا رأى (معشوقته) تلقاء دربه صال عليها وترك الحمل وما حمل وتتكسر كل الدنيا ولا همَّ عنده إلا ان يركض وراءها ولا ينال منه التعب
الشديد شيئا، بل يزيده شبقا فيظل يلبطُ بغرموله وهو يركض اشد من الحصان،
والعوام من الناس إذا أرادوا وصف إنسان بشدة اقباله على العمل المتواصل، قالوا: فلان: يكرف، ولا يستحي الواحد ان يمدح نفسه او صديقه بأنه يكرف كرف الحمار،
وهذا تعبير سوقي منحط، فالكرف هو وقوف الحمار ليضع منخريه فوق حمار آخر سبق وبال وألغز بوضع دلالاته واشاراته وبصماته في بوله، والعارف لا يُعرّف، والحمار
يشم رائحة ذاك السابق، ويكرف البول كرفا،
وبالرغم من كون الصولة الجنسية عند الحمار محكومة في فصل محدد إلا انه يصول لمجرد التنكيد ويلبط بغرموله من باب التباهي والتفاخر والاثارة ثم يتفنن في عرض
مفاتنه أمام حمارة لا يشتهيها ولا هي تشتهيه، ورغم كل ذاك، فحمَّارة ذاك الزمان يحلون مشاكلهم افضل من حمير هذا الزمان الذين لا يعلمون انهم حمير!!،
عبد الله نور