وذو مستوى اجتماعي وعلاقات وطيدة بعلية القوم وصفوة المجتمع كانت مثار حسد الكثير فأما مقر سكناه الوثير في الضواحي فيبعد عن المكان الذي نزل فيه بحوالي
خمسة أميال,, وبدا جليا أن تردده على ذلك الموقع قد كثر في الآونة الأخيرة,
وغمز جابي التذاكر بالحافلة راكبا يعرفه وهو يشيع خيال (لورنس) المترجّل على عجل: أصبح ذلك شيئا مألوفا! وشق (لورنس) طريقه ونشوة جذلى تخامر فؤاده ثم عبر
الى شارع جانبي تراكمت فيه علب المرطبات الفارغة وأجساد مهزولة لصغار عابثين ثم ,, توقف قبالة كوخ صغير بائس رصفت ارضية فنائه الخارجي المسور ببعض الحجارة
فيما تناثرت حوله شجيرات بدت كما لو انها قد ضلت الطريق,
لدى الباب كانت سيدة قوية البنية,, في منتصف العمر تغسل بعض الملابس وانفجرت شفتاها عن ابتسامة من رأى شخصا يعرفه حينما وقعت عيناها على (لورنس),،
طاب مساؤك سيد (هولكمب) ستجد (كاتي) في الداخل سيدي وهل تحدثت اليها نيابة عني سالها بصوت خفيض هل تمكنت من اقناعها بالقبول كما وعدتني؟
أجل,, فعلت لكنك تعرف طبع البنات,, كلما زدت في تدليلهن والتحبب إليهن مازادهن ذلك إلا عتوا ونفورا لا أظنها تقبل إلا اذا طلبت انت ذلك منها شخصيا وآمل
ان تفعل فقد أكدت لها انها لن تجد أفضل منك, إنها فتاة رائعة وهي تجيد صنع كل شيء تأكد سيدي انها ربة بيت ممتازة,, لا عيب فيها سوى,, حبها للحفلات
والسهرات والرقص على ان ذلك أمر طبيعي عطفا على ما تتمتع به من جمال وشباب,, اعرض الأمر ثانية عليها علها توافق إلا إذا كان ذلك الوغد الملقب بل(داني
كونلان) قد تمكن من اقناعها برفض قاطع!
وامتقع لون (لورنس) وزم شفتيه لوهلة قبل ان يقول:
سمعت بهذا الفتى قبلا لماذا يتدخل؟ أهناك علاقة تربطه بكاتي؟ أهي مهتمة به؟
واطلقت السيدة (فلين) تنهيدة حرى شبيهة بزفرة قاطرة بخارية ثم هدت بكفها على ماء الغسيل فما كان الزبد المذعور إلا ان طار فجأة مغرقا لباس (لورنس) رغم ان
المسكين كان يبعد عنها بمسافة لا تقل من ستة أقدام,
لا تسلني عما يعتمل في فؤاد الفتاة ولن اكذب عليك,
ما المسؤول سيدي بأعلم من السائل!
ومضى (لورنس) الى الداخل,, فبصر ب(كاتي فلين) وقد كشفت عن ذراعين بضتين,, كانت منهمكة في كيَّ فستاين من (الموسلين) وشعر الرجل بان ذاك النقد الجارح الذي
كيل له جراء انحداره الى نجم مجرة أدنى منه قد انحسر كثيرا إبان مرأى الفتاة كان جمالها آسراً,, أخاذاً,, عينان آيرلنديتان بلون الغسق الثمل بأحلام المساء
وشعر كشلال لا يكف عن الانهمار وشفتان قرمزيتان تعكسان عواطف وانفعالات صاحبتهما وقوام ممشوق فتيّ قوي يضج بالحياة,, كانت أهلا لكل جهد يبذل للظفر بها!
وسار حتى حاذاها ثم شرع يتأملها وهي تكوي بحماس وساعداها البضان يعملان بحركة دؤوب وقد وشاهما جلد ناعم كالحرير,
كاتي!,, بادرها وصوته يخفي رنة قلق جهد أن يحتويها فيض حنانه وحنينه جئت لأسمع ردّك لا داعي لتكرار ما قيل آنفا على أني واثق انك تدركين جدية طلبي,,
ثقي بأنك ستجدين هناك كل ما تحلمين به من وسائل الراحة قولي نعم (كاتي) وسأكون أسعد رجل اليوم في هذه المدينة,
ووضعت (كاتي) آلة الكيّ جانبا,, ثم اراحت مرفقيها على لوح الكيّ فيما تدرجت العواطف والانفعالات في عينيها الواسعتين اللامعتين بزرقة المحيطات البعيدة،
مزاوجة بين نشوة المرح وتأميلية الأحزان السرمدية,
أوّاه سيد (هولكمب) لا أدري في حقيقة الأمر ما أقول أدرك مدى لطفك وبأنك ستوفّر لي كل شيء,, لكن (داني) يعارض ذلك بشدة,
داني ثانية؟! قال (لورنس هولكمب) في نفسه وهو يذرع المكان مقطبا جبينه: من هو هذا الملقب ب(داني) يا(كاتي)؟ سالها كلما أوشكت على الخروج بموافقة منك
تدخل ليفسد كل شيء ايحلو له ان يراك في وضعية مزرية كهذه؟ لم تصغين لما يقول؟
انه يريدني! ردت (كاتي) في رنة,, طفل عابث مدلل,
لكني أريدك كذلك! قال (لورنس) بثقة وكبرياء إن تمكنت من مقابلة هذا الفتى المقنِع فسوف احسم معه الأمر,
انه بطل الوزن المتوسط في المصارعة في هذه المدينة قالت (كاتي) في عدائية طفولية نوعا,
حقا؟ هذا لا يخيفني يا (كاتي) إنني واثق اني سأهزمه بعد جولات قليلة إن كنتِ الجائزة,, رغم عدم إلمامي بفن المصارعة,
مهلا إنه قادم قالت (كاتي) بعينين متسعتين رهبة وتخوفا!
ورنا (هولكمب) صوب الباب فرأى شابا يدخل, كان يمشي الهوينى ومسحة من ضراوة تكسو ملامحه, وكان يرتدي قبعة أمالها على إحدى عينيه وسار حتى وصل الى غريمه
وفتاته,
فأنت إذاً تجد في طلب فتاتي,, أليس كذلك,, قال بصوت أجش ألغمه الغضب لا أحب ذلك لقد قلت لها ذلك ويجب ان تدرك بدورك حقيقة ما أعنيه,, أتفهم,, بإمكاني ان
ألقي بك أرضا مقابل عشرة سنتات,
هيا سيد (كونلان) قال (لورنس هولكمب) محاولا تفادي معركة طاحنة اصغ الى صوت العقل كن عادلا ودع (كاتي) تختار من تريد, لولا تدخلك لكانت جنبات بيتي
تضمها منذ زمن,
مقابل خمس سنتات قال كونان في تحدٍ شرع يتناذر ككرة من الجليد المتدحرج أطرحك أرضا,
وتراءى لعيني (لورنس) حل أخير شع كأمل ضئيل,, كشمعة في مهب الريح,, ما كان أمامه سواه لإزالة ذلك العائق البشريّ من طريقه,
قيل لي قال بهدوء وثبات بأنك مصارع استشف من ذلك ان عقلك لا يستدني سوى قوة الجسد كفيصل لحل المشاكل لست مصارعا (كونان) على اني مستعد لمنازلتك حتى
النهاية خلال الدقائق الثلاث القادمة كيما تحسم الأمر وستكون (كاتي) جائزة للرابح منا, اتفقنا؟
وشعت عينا (داني) الزرقاوان ببريق الإعجاب:
لا بأس بك أنت رجل شجاع, ما كنت أظن أنك من تلك الفئة واقتراحك عادل,, سوف اتقيد بالشروط الموضوعة للنزال هيا ولنحسم الأمر,
وحاولت (كاتي) ان تتدخل على أن إشارة من (داني) اسكتتها واتجه و(لورنس) الى مكان لا يسترعي الانتباه فيما كان الليل يزحف على المدينة بجحافله وخلع الرجلان
قبعتيهما وكذا معطفيهما واستعدا لمعركة غريبة جائزتها الظفر بابنة غسّالة آيرلندية!ولم تدم المعركة بينهما طويلا ولو انها استمرت لخسرها (لورنس) إذ ان
لياقته وخبرته في مجال المصارعة لم تكن لتسعفه فحمد الله في سره ان هيأ له فوزا سريعا أعاد جله بعد توفيق الله الى عنصر المفاجأة الذي باغت به خصمه كما
أن انغماس الآخر قبل مجيئه في احتساء ام الكبائر قد اثر سلبا على اعصابه وقدرته على الحكم على الأمور وعلاوة على ذلك فإن الحب كما يقال يصنع المعجزات
بذلك حدّث (لورنس نفسه) وهو يستعيد بسعادة تلك اللحظة التي غفل خصمه فيها عن حماية ذقنه فما كان منه حين لمحها بارزة أمامه إلا ان سدد لها لكمة خطافية
طرحت بطل المصارعة السابق أرضا فجثم فوقه وأنهى العد القانوني للعبة, ونهض (داني) مرتجفا حتى استقام على انه اثبت انه كان يتحلى بروح رياضية نادرة,
انت شجاع,, على انه لو كان بنظام الجولات لاختلفت النتيجة,, باتت (كاتي) من نصيبك,, أنا عادل كما ترى, ,,وعادا الى الكوخ,
انتهى الأمر قال (لورنس) لن يتدخل السيد (كونلان) ما عاد لديه أي اعتراض,
أجل قال (داني) مؤكدا تصريح خصمه قضي الأمر الذي كنا فيه نستفتي,
ونظرت (كاتي) إليهما فلمحت آثار المعركة جلية على وجه (داني) عين مزرقّة وشفة دامية وكانت طيبة القلب عاقلة متزنة فسارعت الى مواساة المغلوب قبل تهنئة
الغالب, وانتصب (هولكمب) بقامته المديدة الأبية مبتسما غير مبال بما ابدته حيال الآخر من عطف ورقة مشاعر,, ما تسللت الى قلبه ذرة غيرة,
غدا قال ل(كاتي) وعيناه تشعان ببريق الكبرياء,
غدا إن شئت جاءه ردّها,
اخترق (هولكمب) الطريق البالية الملأى بعلب المرطبات الفارغة عائدا الى موقع الحافلة التي سرعان ما وصلت تسبقها أنوار صاخبة وضجيج المسافرين يكاد يطغى على
ما سواه, وقفز الى مؤخرتها فوجد جاره الجنب وصديقه السيد (ويذرلي),،
مرحبا (لورنس),, أتبحث عن عقار في هذه المنطقة؟ كيف حال زوجتك وابنك؟
بأحسن حال حينما تركتهما هذا الصباح وكيف العائلة؟
لا بأس,, عدا عن بعض المتاعب التي يعاني منها سكان الضواحي أمثالنا,, امتعاض الخدم والتجار من بعد المسافة,, اعطال السيارات ولكن قل لي,, ما لي أرى البشر
يطفح من وجهك؟ أأحرزت اليوم صفقة ناجحة؟
وشع البشر من محيا (لورنس) ثم تحسس بطرف إصبعه موضع الجرح بذقنه في أعقاب معركته و(داني) ومال على أذن رفيقه:
أتذكر يابوب، تلك الفتاة الإيرلندية (كاتي فلين) التي عملت عند عائلة ال (سبافورد) لمدة طويلة؟
سمعت عنها قال (ويذرلي) تردد أنها عملت لديهم سنة كاملة دون إجازة يوم على أني لا اصدق قصة كهذه,
بلى لقد حدث ذلك فعلا لقد نجحت في التعاقد معها كطاهية وستأتي الى منزلنا غدا,
تباً لك من شقي محظوظ, صرخ (ويذرلي) ورنة حسد تلون نبراته ونبضات قلبه: رغم أنك تقطن أبعد منا بأربعة شوارع,