قراءة في قصتين جديدتين من قصص الجزيرة
الدوائر,, حكاية
أقف هنا مع قصتين قصيرتين لقاصين من السعودية بتجربتين وأسلوبين ورؤيتين ونمطين مختلفين، ولكن في النهاية ورغم هذا الخلاف الذي يبدو شاسعا أحيانا ثمة نقاط
تجمع وتدفع اللغة الى مصب واحد وهو مصب الإبداع السعودي وأصر على هذه التسمية لأن للإبداع وخاصة القصصي السعودي خصوصيته، ربما للطبيعة الجغرافية لظروف
أخرى، لكن بعيدا عن البترول إذا هذا الإبداع يتميز حتى عن دول الخليج,,
واستطيع أن أميز بين مجموعة قصص مغفلة الأسماء وأشير الى القصة السعودية، فما يميز هذا الإبداع لا يشابهه إبداع آخر، وبعيدا عن المفاهيم المختلفة حول
مكانة هذا الإبداع في الصورة الثقافية العربية وحول قيمته فانه إبداع يقدم نمطا جديدا وشخصيات جديدة وفنا له خصوصيته, والحقيقة فما يؤخذ على غازي القصيبي
أنه في هذه المرحلة يبتعد عن خصوصية البيئة السعودية في كتبه الأخيرة، وربما يسلك منهجه البعض ولا أرغب أن أذكر الأسماء التي غدت بحجم شهرة القصيبي,, ولكن
علينا أن نتفق أن خصوصية البيئة هي التي تقدم المبدع وهذا ما حدث مع ماركيز الى ميلان كونديرا,, الى نجيب محفوظ,, الى بن جلون,, وحتى الى حمد الجاسر وسعد
البازعي وعبدالله الغذامي، بهذا المدخل سأحاول أن ألقي بعض الضوء على القصتين الجديدتين وقد كتبت واحدة في باريس والثانية في الرياض في فترة متقاربة من
هذا العام,
الدوائر
للقاص خالد أحمد اليوسف حيث أتت قصته الجديدة هذه بضمير المخاطب وبلغة تطفح بالشاعرية والحساسية في التقاط التفاصيل، وهي تتحدث عن مأساة امرأة تكون أمام
عملية قيصرية لتنجب وليدها وأمام رفض الزوج لهذه العملية,, في البداية تتفرع الأفكار حتى يبدو ان القصة دخلت حالة التشتت لكن القاص في النهاية يبين انه كل
تلك الفروع جاءت لتخدم فكرة القصة مثال:
أنا لن أتخذ قرارا وزوجي يرفض الفكرة,, ماذا أفعل لإنسان لا يرى ولا يستمع إلا لرأيه,, أنا لن أخالفه حتى لو كانت روحي ثمناً لطاعته,
تبلعين حوارك ليرجع صدى في داخلك يستقر مع همهماتك المتواصلة لم تستطيعي تحمل الدوران، جلست على أقرب كرسي في الممر
إن القصة تدخل القارىء في أجواء تركز على تراث موغل في الأصالة وعراقة العلاقات,, وفي النهاية فان هذه المرأة بالفعل تلبث مصرة على ألا تخالف زوجها رغم أن
الطبيب يحذرها من مخاطر عدم إجراء العملية الجراحية وبعد صراع مرير في المشفى وعدم توقيعها على العملية تمتزج دموعها مع دموع مولود جديد,, فتنجب طفلة بشكل
طبيعي فيغمرك الخجل والصمت، ويبتلعك الاعياء، وينسيك الموقف ما كنت فيه من توعد لإجراء عملية تحديد الإنجاب إنها قصة تدعو إلى الخروج من الدوائر، قصة
الفضاءات الرحيبة التي تقدم الإنسان بعيوبه ونواقصه ونجاحاته أيضا,
حكاية:
للقاص جبر المليحان، وهي تعطي تصورا عن أزمة السكن وأن الإنسان يغدو رقما ضائعا في زحمة لا تنتهي,, وتبحث عن سبيل ينسجم مع هذا الانفجار السكاني,, ترتكز
القصة على بعض الرموز لتحافظ على قيمتها وتبتعد عن المباشرية، لأن الموضوع هو مشكلة مباشرة ويشبه الريبورتاج او المقال الصحفي، ومحاولة معالجة مثل هذا
الموضوع التفجير السكاني بأسلوب قصصي يحتاج الى براعة وتمكن، فتارة يروي على لسان النملة وتارة على لسان الفراشة التي تحزن لأن صديقتها النملة تبحث عن
بيتها ولا تجده رغم انها وصفت لها العنوان,, وبعد ذلك يقترح الشخوص بعض الحلول مثل: ان يضع كل بيت بحيرة امام بابه,, أو: لماذا لا يضعون جبلا صغيرا بجانب
كل منزل ليعرف به,, لو يضعون فوق كل بيت علما ملونا بلون خاص لكل مواطن لونه,, الأفضل ان يوضع في كل منزل سماعة صغيرة,, الخ ورغم ان القصة كتبت في باريس
بتاريخ 1998/3/26م فان القاص لم يخرج من بيئته فيأتي ذكر الدمام وانها تعالج واقعا محليا, ومن ناحية اخرى فيمكن قراءة هذه القصة من وجهها الآخر، وهو
الوجه الذي يبرز موت العلاقات الاجتماعية في ظل ملاحقة الأعمال التي تتسع فتنسي الإنسان كل شيء في روابطه الاجتماعية والثقافية,
ففي نهاية هذه الحكاية تقرر الفراشة والنملة كتابة رسالة وإرسالها في البريد لكنها على الأغلب لن تصل وتعود من حيث أتت، ومن هنا تكون الإشارة بأن المبادرة
أيضا قد تخفق في إعادة الروابط والعلاقات والحميمية وسط هذا التفجر وهذا الازدحام وهذه المطاردة التي لا تنتهي, إن القصة تنبهنا الى أشياء إذا فقدناها
فقدنا ما يميزنا,, لأن الإنسان إذا خسر الإنسان فانه لن يربح شيئا,, وفي النهاية لن يكون الإنسان إلا ابن خصوصيته ومهما بعد فانه سيعود الى حيث ما أتى,
هامش:
الدوائر للقاص: خالد أحمد اليوسف منشورة في العدد رقم 9292 ص 23,
حكاية للقاص: جبر المليحان منشورة في العدد رقم 9313 ص 23,
عبدالباقي يوسف


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved