خياران أمام العالم الإسلامي
الإسلام,, أو الديمقراطية الغربية
محمد الجبر الرشيد
عندما ظهر الاسلام قبل 14 قرناً في جزيرة العرب، كان العرب يوم ذاك يعيشون بين قوتين، هما دولة الفرس ودولة الروم، وكان العرب في حالة لا تقل سوءا عن حالتهم اليوم، كانوا أتباعاً لهاتين القوتين وكانت حياتهم الاجتماعية والدينية من السوء الى درجة الانحطاط، ولكن هذا الدين العظيم بقيمه وعدله وشموليته كان لهم بمثابة البلسم الشافي لقلوب وأبدان مريضة, فتبدل الضعف الى قوة، والتخلف الفكري والأخلاقي والديني الى قمة في الفكر والأخلاق والعقيدة، نتيجة لذلك، وفي أقل من عقدين من الزمن بالرغم من قلة العدد وضعف القوة، وصعوبة الظروف المحيطة بهم من كل جانب ووجود دولة الفرس ودولة الروم ووقوفهما بوجه هذا الدين، ومعاداة ذوي القربى، إلا أن هذا الدين فرض نفسه، وانتشر من هذه الجزيرة، التي اختارها الله سبحانه وتعالى منطلقاً لهذا الدين، واختار نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من أرضها، وأنزل آخر كتبه السماوية بلغة اهلها بلسان عربي مبين, وتعدى الاسلام نطاق هذه الجزيرة الى حدود اوروبا شمالاً وحدود افريقيا جنوباً، وحدود آسيا شرقاً، والى المحيط الأطلسي غربا, والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هذا السر الذي يتوارى أمامه السحر خجلاً عند المقارنة؟ السر هو كتاب الله الذي انزله على عبده وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، ليس للعرب فحسب، كما جاء موسى وعيسى عليهما السلام لليهود والنصارى فقط، وانما هذا الدين جاء للناس كافة، يقول الله تعالى وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا سبأ 28, من اجل ذلك حملوا هذا النور واضاءوا به عتمة الطريق وبددوا به ظلام الجهل والطغيان والعبودية، ليس لهم فقط، بل لكل البشر, جاء الاسلام بالعدل بعد الظلم، جاء بالحق بعد الباطل، جاء بالمساواة بين الناس بعد التفرقة والتمييز، جاء بالانصاف بعد الجور، قدّس الأمانة ونبذ الغش والخيانة، جاء بالصدق ومقت الكذب، حرم القتل، حرم الزنى، حرم السرقة، حرم الغش، انصف المظلوم من الظالم، أنصف المحكوم من الحاكم، أنصف الضعيف من القوي، أنصف الفقير من الغني، ساوى بين الناس بالحقوق والواجبات، وأنصف المرأة وأعطاها حقها المسلوب، حرر الرق من العبودية، نهى عن الحسد نهى عن البغضاء، حث على التسامح، أمر بكل فضيلة، ونهى عن كل رذيلة,
هذه القيم والمثل التي جاء بها الاسلام تقبلتها الأنفس المفطورة على هذه الفضائل ومن ثم عشقتها النفوس ودخل الناس الاسلام أفواجاً يقول الله سبحانه وتعالى: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ,
على ضوء هذه المثل والعمل بها فتح المسلمون آفاق الدنيا وبقوا مصدر إشعاع ليس لهم فحسب، بل لكل البشرية، وهذا ليس خيالاً أو مثاليات، بل حقيقة دامغة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء والتاريخ يشهد بذلك, ويقول الشاعر:
وعلمنا بناء المجد حتى
أخذنا إمرة الأرض اغتصابا
ولا يقصد الشاعر بالاغتصاب القوة وإنما أراد المثل والقيم الاسلامية، لأن الدين الاسلامي لم ينتشر بالقوة والإكراه، والآية الكريمة تقول: لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي,,,
بقي هذا المد الاسلامي مستمرا يتبوأ المكانة العليا بين الأمم أكثر من خمسة قرون, ثم ماذا بعد؟ لقد بدأت الدنيا تطغى بضعاف النفوس الذين ركنوا إليها وابتعدوا عن هذا الدين وتعاليمه، ونسوا قول الله سبحانه: ان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ,
ونسوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي حديث صحيح , نتيجة لذلك انهارت الخلافة العباسية بعد حكم دام خمسة قرون تقريباً على أيدي التتار في أواسط القرن السابع الهجري,,
على انقاض هذه الخلافة بعد فترة من الصراع المرير، قامت الدولة العثمانية، وأتسع نفوذها ومشت على هدى الاسلام بخطى حثيثة وامتد نفوذها في معظم دول اوروبا، وبرز فيها خلفاء أكفاء من أبرزهم محمد الفاتح، واستمرت هذه الخلافة ثمانية قرون تقريباً، ثم بدأ الركون الى الدنيا والبعد عن الدين يتفشى بالخلفاء حتى انهارت آخر خلافة اسلامية في عام 1924م على ايدي الدول الغربية بمساعدة الصهيونية,
بعد ذلك عقد المنتصرون مؤتمر يالطا وضم امريكا وروسيا، وبريطانيا ومن اللافت ان بعض بنود هذا المؤتمر لا تزال يشوبها شيء من الغموض والسرية واتفقوا بالاجماع على القضاء على الاسلام، وتقاسموا ديار المسلمين وأعطيت الصهيونية وعدا من بريطانيا بإقامة دولة على ارض فلسطين وعد بلفور وفعلا وفت بوعدها وصدقت وهي كذوب,
وفعلا قامت دولة اسرائيل في عام 1948م في قلب الأمة الاسلامية محاطة بتأييد أمريكا وبريطانيا جرحا ينزف حتى يومنا هذا,
بعد هذا السرد الصحفي ولا أقول التاريخي لعدم الدقة، وتمشياً مع ظروف المقال، اقول: نتيجة لما حصل، توارى الاسلام عن ديار المسلمين وأصبحنا مسلمين بلا اسلام، أضعنا النور الذي اضاء لنا معالم الطريق، وعشنا في ظلام دامس، ومما يحز في القلب قبل النفس أننا لا نزال في طغياننا نعمه وفي ظلامنا هذا نتخبط، ولم ندرك حتى الآن ان هذا ناتج عن تفريطنا بديننا العظيم، ولا اجد، وفي هذا اللحظة على لساني اقرب من كلمة وإسلاماه!,,
أأنت تركتنا أم نحن تركناك؟ وهل من امل بالعودة بعد هذا الغياب؟, بعد ان توارى الاسلام عن الساحة، وتعطل المنهج الإلهي، وحل محله نظامان: الشيوعية الإلحادية والرأسمالية الديمقراطية العلمانية,
1 - اما الشيوعية: فقد فرضت على جميع المسلمين الذين أصبحوا تحت النفوذ الشيوعي، بالحديد والنار، وعندما رفضوا هذا المبدأ قتل منهم استالين - لعنة الله عليه - ملايين من المسلمين, وبعد مضي 75 عاما على هذا النظام، فشل فشلاً ذريعاً ويكفيني عن الكلام ما فعله الشيوعيون أنفسهم بنظامهم قبل بضع سنوات,
2 - الرأسمالية الديمقراطية، فقد بدأ الغرب بتصديرها لتحل محل الاسلام وكانت الدول الاسلامية باستثناء القليل منها، تحت الانتداب البريطاني والفرنسي واعلنت مبادىء الديمقراطية - وأي دولة ترغب الاستقلال لا بد لها من تطبيق الديمقراطية، ومن هذه المبادىء على سبيل المثال لا الحصر الحرية، والمساواة والعلمانية، ولتوضيح فحوى هذه المسميات نقول:
أ - الحرية بالمفهوم الديمقراطي حرية مطلقة وتحت هذا المسمى فتحت حانات الخمر في ديار المسلمين وأجيز تعاطيه، وفتحت بيوت الدعارة مشرعة ابوابها وأبيح الزنى بدون رقيب ولا حسيب ولا خوف من الله، وفتحت نواد للقمار واقيمت مسارح وفتحت مراقص للنساء شبه العاريات، وليس هذا بديار أرباب الديمقراطية، بل بديار المسلمين، كل ذلك تحت مسمى الحرية,
ب - المساواة: اصبحت المرأة مساوية للرجل في جميع التصرفات ومن حقها أن تفعل ما تشاء بلا خوف ولا حياء، ومن ثم خلعت الحجاب، ودخلت ميادين العمل وجردت من جميع القيم التي كانت تمتاز بها في ظل الاسلام، وابعدت عن دورها الاساسي وهو حفظ وتربية الأجيال بنين وبنات، وهي تربية اسلامية قوامها العفة والشرف والفضيلة والمرأة هي المدرسة الأولى للأجيال,
ج - العلمانية: تحت هذا المسمى أبعد الدين عن اي شأن من شئون الحياة، حتى عن الأحزاب والانتخابات التي هي من أسس الديمقراطية، فالدستور ينص على ان اي حزب ينتمي الى الدين الاسلامي لا يقبل اما الأحزاب الأخرى مهما كانت ايدولوجيتها ومبادئها حتى الالحادية التي لا تؤمن بوجود إله، او عبدة الشيطان يحق لها ان تكون حزبا معترفا به, نحن لا نقول بوجود احزاب في الدولة الاسلامية الشرعية لأن هذه الدولة دولة وحدة، لا دولة شيع واحزاب كل حزب بما لديهم فرحون، ولكن نعجب من الذين ينادون بالديمقراطية ويعطونها لكل احد ، وكل ايدولوجية، ما عدا الاسلام,
وخلاصة الموضوع: اسلام ابعد عن الساحة، وشيوعية فشلت وذهبت مع الريح في يوم عاصف، ودكتاتورية علمانية تصول وتجول ولا تزال مهيمنة على العالم الاسلامي بهذا النظام,
على ضوء هذا الواقع المؤلم أما آن الأوان لمعشر المسلمين قيادات وشعوباً وعلماء، مراجعة حساباتهم، والى متى ونحن سائرون وراء هذا السراب, لماذا لا نسأل انفسنا ونواجه الواقع؟ وهل هناك اروع واعظم من ان يواجه الانسان الحقيقة - ما هو المكسب الذي حققه العالم الاسلامي بعد الانبهار الزائف بهذه الديمقراطية وبعد مضي خمسين عاما من التجربة؟ هل هذه الديمقراطية نظام يستحق ان نعيش في كنفه بأمن وأمان وعفة وشرف، وهل واقع الحال بالنسبة لنا كمسلمين بعد الهرولة والانضواء تحت هذا النظام، وما نراه من حروب ومجاعات ومن فقر، ومن ديون ربوية متراكمة علينا معشر المسلمين, وهذه الإباحية الهمجية، التي يندى لها جبين اي انسان سوي,
كيف لا وهذا النظام الذي ينص دستوره في بريطانيا العظمى أم الديمقراطية على اباحة الشذوذ الجنسي اللواط وهل هذه القيم المهدرة والحقوق الاسلامية المغتصبة والثروات المنهوبة والقتل، والمجاعة والتشرد في بلاد المسلمين واشعال الحروب في ما بيننا لتكون سوقا لأسلحتهم ومصدر ثراء، أهذا النظام الذي يتسم بكل هذه الصفات، حري بأن نتخذه بديلاً عن ديننا الاسلامي؟ انا لا ألوم أرباب هذا النظام اذا اخذوا به وقبلوه وسوقوه الينا، ولكني ألوم أمة الاسلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال عنهم المولى سبحانه: كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله ,
كيف ترضى أمة الاسلام وهي اكثر من خمسين دولة وعددهم مليار و300 مليون، بنظام وضعه أحفاد الضالين والمغضوب عليهم؟ ويتخذونه بديلا عن ديننا الحنيف الذي ارتضاه الخالق سبحانه لخلقه, وهو العليم الخبير بعباده, ان تطبيق الاسلام سعادة ولا يخيف احدا ولا يضيع مصحلة ابداً والدليل العملي على ما نقول هو المملكة العربية السعودية، التي اخذت بالاسلام فأعزها الله به وحين اخذت بالاسلام مبدأ وتطبيقاً، حققت مصالحها على المستويين الداخلي والخارجي، ومن هنا فإن المملكة ليست محتاجة الى الديمقراطية، فعندنا الشورى النظام الأفضل من النظم الديمقراطية، فقد حكم الله سبحانه بالخسران على كل الذين لا يطبقون منهج الايمان والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ,
ألم يأن لنا بعد هذه التجربة المريرة ونتائجها السيئة أن نعود الى رشدنا ونتلمس طريق العودة؟ إني أهيب بقادة الأمة الاسلامية وعلمائها وبشعوبهم ان يرفعوا راية العودة ويعودوا الى النبع الذي لا ينضب معينه ويبدأوا بتطبيق الشريعة الاسلامية التي ارتضاها الله لعباده، بلا عنف ولا قتال، فالاسلام انتشر وأنقذ البشرية وأخرجهم من الظلمات الى النور بالعدل والشمولية والانصاف، وما أحوج البشرية بصفة عامة والأمة الاسلامية بصفة خاصة الى العودة الى هذا الدين العظيم، يقول الله تعالى ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم بدأ الاسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ وطوبى للغرباء يصلحون ما أفسد الناس,


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved