الدجاجة المذبوحة
هوراسيو كيروجا
عبدالغني محفوظ
طوال
اليوم كان أولاد مازيني فيراز المعتوهون الأربعة يجلسون على مقعد خشبي في البهو وألسنتهم تتدلى من بين شفاههم وعيونهم متبلدة، في حين تظل افواههم مفتوحة وهم يديرون رؤوسهم يمنة ويسرة,
كان البهو ذو الارضية الترابية مغلقا من الجهة الغربية بجدار من القرميد والمقعد يبعد عن الجدار بخمسة أقدام موازيا له, وهناك كانوا يقبعون دون حراك وتحديقتهم مصلوبة على الجدار, وبينما كانت الشمس تهبط مختفية خلف الجدار تنتاب المعتوهين حالة من الابتهاج, كان الضوء الشديد المبهر هو أول ما يجذب انتباهم ورويدا رويدا تشرق أعينهم، وأخيرا ينفجرون ضاحكين في صخب،وكل منهم تصيبه نفس عدوى الجذل القلق وهم يحدقون في الشمس بمتعة وحشية كما لو كانت شيئا يمكن التهامه,
في أحيان أخرى، وهم مصطفون على المقعد، كانوا يطنون لساعات بأكملها مقلدين صوت التروللي، كما كانت الضوضاء العالية أيضا تخرجهم من سباتهم وفي تلك الاحيان كانوا يتراكضون في انحاء البهو وهم يعضون السنتهم ويموءون, غير انهم كانوا دوما على وجه التقريب غارقين في السبات الأسود للبلاهة، يمضون اليوم باكمله جالسين علىمقعدهم وسيقانهم تتدلى بلا حركة، يرطبون سراويلهم باللعاب,
كان أكبرهم سنا في الثانية عشرة من عمره واصغرهم في الثامنة، وكان مظهرهم القذر والمهمل دليلا على الافتقار الكامل لرعاية الأم,
بيد أن هؤلاء المعتوهين الأربعة كانوا ذات يوم قرة عين لأبويهم، فعندما مضى على زواجهما ثلاثة اشهر، وجه مازيني وبرتا حب الرجل للمرأة وحب المرأة للرجل وهو حب اناني غارق في ذاته، نحو مستقبل أكثر حيوية، الا وهو الابن، واي سعادة تفوق سعادة اثنين غارقين في الحب أكثر من التكريس المبارك لعاطفة متحررة من نطاق الحب الاناني الكريه الذي لا هدف وراءه، حب لا أمل له في التجديد,
هكذا فكر مازيني وبرتا، وعندما وصل ابنهما بعد أربعة عشر شهرا من الزواج، شعرا أن سعادتهما قد اكتملت, وكبر الطفل جميلا ونضرا حتى بلغ عاما ونصف عام, ولكن ذات ليلة في شهره العشرين انتابته نوبة من التشنجات العنيفة وفي صباح اليوم التالي لم يعد يتعرف على والديه, وفحصه ا لطبيب بنوع من الاهتمام المهني الذي يسعى بجلاء لايجاد سبب المرض في عاهات الوالدين,
وبعد بضعة ايام استعادت اطراف الولد المشلولة حركتها ولكن الروح، والفكر وحتى الغريزة كانت قد ذهبت الى الأبد، وتمدد في حجر أمه معتوها مترهلا يسيل لعابه، ميتا بالنسبة لكل شيء,
راحت الأم تنتحب فوق الانقاض المخيفة لوليدها البكر: ولدي,, ياولدي الحبيب, ,
أما الأب فقد صحب الطبيب الى الخارج وهو في حالة من الكآبة,
بامكاني أن اقولها لك, أعتقد أنها حالة ميئوس منها، ربما يتحسن ويتعلم الى الدرجة التي تسمح بها بلاهته ولكن لا شيء أكثر من ذلك ,
ووافق مازيني نعم نعم,, ولكن قل لي هل تعتقد انها الوراثة هي التي,,؟ ,
بالنسبة للوراثة من ناحية الأب فقد قلت لك ما اعتقد عندما رأيت ابنك, أما من ناحية الأم فهناك رئة لا تبدو في حالة جيدة, لا أرى أي شيء آخر، ولكن تنفسها خشن بعض الشيء, عليك بأن تجعل الاطباء يفحصونها بصورة كاملة ,
ومع اصطلاء روحه في سعير الشعور بالاثم، ضاعف مازيني من حدبه على ابنه، الطفل المعتوه الذي كان يدفع ثمن تجاوزات جده, وفي نفس الوقت كان عليه أن يعزي ويساند برتا على الدوام وهي التي نفذت الجراح الى اعماق كيانها لاخفاق امومتها الشابة,
وكما هو طبيعي وضع الزوجان كل حبهما في مداعبة الآمال بابن آخر، وولد الولد واشعلت صحته وصفاء ضحكاته جذوة آمالها الخابية, ولكن في الشهر الثامن عشر تكررت تشنجات الطفل البكر وفي صباح اليوم التالي استيقظ الابن الثاني معتوها,
وفي هذه المرة هبط الوالدان الى حضيض اليأس, اذن هو دمهما وحبهما هو الذي اصابته اللعنة ولاسيما حبهما هو في الثامنة العشرين وهي في الثانية والعشرين ومع ذلك لم ينجح كل عاطفتهما المشبوبة في انجاب ذرة واحدة من الحياة الطبيعية، لم يعودا يتطلعان الى الجمال والذكاء كما كانا يتطلعان اليهما عند ميلاد الطفل الاول، بل مجرد طفل مثل اي طفل آخر,
ومن الكارثة الثانية انفجر لهيب الحب الموجع من جديد، رغبة مجنونة في افتداء قداسة حبهما بصورة نهائية وولد توءم وخطوة خطوة تكرر تاريخ الاخوين الاكبر,
وبالرغم من ذلك احتفظ مازيني وبرتا، خلف المرارة الهائلة، بعطف شديد على ابنائهما الاربعة كان عليهما ان ينتزعاهم من جحيم حيوانيتهم الذي تردوا فيه، ليست ارواحهم هي التي ضاعت الان لكن الغريزة نفسها، لم يستطع الاولاد البلع او الحركة او حتى الجلوس, وتعلموا اخيرا ان يسيروا ولكنهم كانوا يصطدمون بالاشياء لانهم لايلاحظون العقبات الموجودة امامهم, وعندما كانوا يغسلون كانوا يموءون ويغرغرون حتى تختنق وجوههم بالدم, ولم تكن الحياة تدب فيهم الا عندما يقدم اليهم الطعام او يرون الالوان الزاهية او يسمعون الرعد, عندئذ كانوا يضحكون، متألقين في جنون حيواني، ويدفعون السنتهم الى الخارج ليقذفوا بأنهار من اللعاب ومن ناحية اخرى فقد وهبوا ملكة قوية للتقليد ولكن لاشيء اكثر,
ويبدو ان النسل المرعب قد اختتم التوءم ولكن بعد ثلاث سنوات تاق كل من مازيني وبرتا شديدا الى ان يكون لديهما طفل آخر يحدوهما شعور بالثقة ان الفترة الطويلة لابد وان تكون قد خففت من قدرهما الاسود غير ان آمالهما لم تتمخض عن شيء وسبب تلك الرغبة الحارقة والحنق الشديد من عدم تحققها اصبح الزوج والزوجة يستشعران مرارة هائلة، والى هذا الوقت تحمل كل منهما نصيبه في المسئولية عن التعاسة التي سببها مولد اطفالهما ولكن العجز عن الخلاص من خطيئة الاربعة الذين انجباهم ولد في النهاية تلك الضرورة المتغطرسة في القاء اللوم على الآخرين وهو ارث تنفرد به القلوب الضعيفة والنفوس الصغيرة وبدأ الامر بتغيير في الضمائر: اولادك وحيث انهما عمدا الى الايقاع ببعضهما البعض وكذلك اهانة بعضهما البعض، اصبح الجو مشحونا,
قال مازيني الذي دخل لتوه وكان يغسل يديه، لبرتا:
يبدو لي انك تستطيعين الاحتفاظ بالاطفال في حالة اكثر نظافة من ذلك؟ وكما لو كانت لم تسمعه استمرت برتا في القراءة ثم اجابت بعد وقفة قصيرة انها المرة الاولى التي اراك فيها مهتما بحالة اولادك وادار مازيني رأسه تجاهها بابتسامة مغتصبة قائلا: اولادنا على ما اعتقد قالت وهي ترفع عينيها: حسنا اولادنا هل هذه الطريقة التي تفضلها وفي هذه المرة افصح مازيني عن نفسه بجلاء:
بالتأكيد لن تقولي انني انا الملوم,, أليس كذلك؟
وابتسمت برتا لنفسها وهي شاحبة للغاية ثم غمغمت: ولا انا الملومة,, على ما اعتقد هذا هو كل ما احتاجه,,, ماذا؟ ماهو كل ماتحتاجينه؟
حسنا اذا كان ثمة من يلام فلست انا وماعليك الا ان تتذكر هذا هو ماقصدت ان اقوله ونظر اليها زوجها لبرهة، تراوده رغبة وحشية في جرح مشاعرها ثم قال اخيرا وهو يجفف يديه:
دعينا نكف عن ذلك ,
كما تريد ولكن اذا كنت تقصد,,,
برتا ,
كما تريد ,
كان ذلك هو الصدام الأول وتلاه صدامات أخرى، ولكن اثناء المصالحات التي لم يكن ثمة مفر منها، كانت ارواحهما تتحد في نشوة وتوق مضاعف في طفل آخر,
وولدت طفلة وعاش مازيني وبرتا لعامين والعذاب رفيقهما الدائم يتوقعان على الدوام أن تقع كارثة أخرى, غير أن الكارثة لم تقع ووضع الابوان كل سعادتهما في ابنتهما التي استغلت استرسالهما لتصبح مدللة وسيئة السلوك الى حد بعيد, ورغم أن برتا استمرت حتى في السنوات الاخيرة في الاهتمام بالأولاد الأربعة، الا انها بعد ميلاد برتيتا اهملت الاطفال الآخرين فعليا واصبح مجرد التفكير فيهم يصيبها بالرعب مثل ذكرى شيء بشع ارغمت على القيام به, وحدث نفس الشيء لمازيني وان يكن بدرجة اقل,
الا ان روحيهما لم تخلدا الى السلام والطمأنينة وكانت أقل وعكة تصيب الفتاة تطلق المرارة التي ولدها نسلهم السقيم من عقالها، بسبب الرعب من فقدانها, وتراكمت السخيمة لزمن طويل حتى راحت الاحشاء المنتفخة تنز بالسم عند اقل لمسة,
ومنذ لحظة الشجار الأول المسموم فقد كل من برتا ومازيني احترامه للآخر, واذا كان ثمة شيء يشعر الانسان بالانجذاب الى القيام به بقسوة بمجرد أن يبدأ، فهو الاذلال الكامل للشخص الآخر, في السابق كان يكبح من جماحهما اخفاقهما المشترك ولكن الآن، بعد أن صادفهما النجاح وكل ينسبه لنفسه، فقد شعر كل منهما بشدة اكثر بالخزي من الأولاد الأربعة المشوهين الذين اجبره الآخر على الاتيان بهم الى الوجود, وفي غمرة هذه المشاعر لم يعد ثمة احتمال للعطف على الأولاد الأربعة، فكانت الخادم تغير لهم ملابسهم وتطعمهم وتضعهم في الفراش بوحشية مطلقة وتقريبا لم تكن تحممهم ابدا, وكانوا يقضون الجزء الأكبر من اليوم في مواجهة الجدار محرومين من اي شيء ولو تربيتة حنان, واحتفلت برتيتا بعيد ميلادها الرابع وفي تلك الليلة ونتيجة للاكثار من تناول الحلوى التي لم يكن ابواها قادرين على ردها عنها، اصيبت الطفلة برجفة وحمى خفيفة, وادى الخوف من رؤيتها تموت أو تصبح معتوهة الى نكء تلك الجراح التي كانت مفتوحة على الدوام، مرة أخرى, ولثلاث ساعات لم يتحدث اي منهما للآخر وكما هو معتاد، قدمت خطى مازيني ا لمتعجلة ذريعة للشجار,
ياإلهي الا تستطيع ان تسير بسرعة اقل, كم مرة,, ,
حسنا, لقد نسيت سأكف عن ذلك, أنا لا افعل ذلك متعمدا,
وابتسمت بترفع:
لا,, لا,, أنا لا افكر فيك على هذا النحو ,
وما كنت أنا الآخر لاصدق ذلك منك,, ايتها المسلولة ,
ماذا ,, ماذا تقول؟ ,
لا شيء ,
أوه,,نعم ,, لقد سمعتك تقول شيئا ما,, انظر انا لا أعرف ماذا قلت ولكني اقسم انني افضل اي شيء على أن يكون لي أب مثل ابيك ,
واستحال مازيني شاحبا وغمغم وهو يصر على اسنانه:
أخيرا,, أخيرا ايتها الافعى قلت ما كنت تريدين قوله ,
نعم أفعى,, نعم, ولكن أبويّ كانا في صحة جيدة,, هل تسمع؟,, في صحة جيدة، ولم يمت أبي وهو يهذي,, بوسعي أن أنجب أولادا مثل أولاد أي امرأة أخرى,, هؤلاء هم أولادك أنت,, هؤلاء الأربعة ,
وانفجر مازيني بدوره:
افعى مسلولة,, هذا هو ما أسميك,, ما الذي اريد أن اقوله لك, اساليه,, اسألي الطبيب من الملوم عن الالتهاب السحائي عند أولادك,, أهو ابي أم رئتك المتعفنة؟ نعم أيتها الافعى, ,
واستمرا في الشجار وتماديا في العنف الى أن ندت انة عن برتيتا فاغلقا فاهيهما على الفور, وفي غضون الواحدة صباحا زال عسر الهضم الخفيف لدى الطفلة, وكما هو محتوم مع كل شباب الازواج والزوجات الذين احب كل منهم الآخر حبا جارفا ولو لفترة قصيرة، قام الزوجان بمصالحة مسرفة في التعبير عن العاطفة، بقدر الاسراف في الخزي الذي اجترته الآهات,
واشرق يوم رائع وبينما كانت برتا تنهض من فراشها بصقت دما, كان الاجهاد العاطفي والليلة البشعة مسئولتين دون شك عن ذلك وضمها مازيني بين ذراعيه لوقت طويل بينما راحت هي تبكي في يأس ولكن اي منهما لم يجرؤ على التفوه بكلمة واحدة,
وفي العاشرة قررا ان يخرجا للنزهة بعد تناول الغداء وكانا مضغوطين لضيق الوقت فأمرا الخادم أن تذبح دجاجة,
وجذب اليوم الرائع المعتوهين من مقعدهم وبينما كانت الخادم تقطع رأس الدجاجة في المطبخ وتصفي دمها باقتصاد شديد تعلمت برتا من أمها هذه الطريقة الفعالة في الاحتفاظ بنضارة اللحوم خيل اليها انها تشعر بشيء كالانفاس تتردد خلفها واستدارت لترى المعتوهين الاربعة يقفون الى جانب بعضهم البعض ويتطلعون الى العملية التي تقوم بها بذهول,, لون الدم أحمر,, أحمر,,
صاحت الخادم: سيدتي,, الأولاد هنا في المطبخ ,
ودخلت برتا في الحال, لم ترد أبدا أن يطأوا المطبخ حتى في تلك الساعات التي يظللها التسامح الكامل والصفح والسعادة المستعادة ما استطاعت الى تجنب مرآهم البشع سبيلا لانها كلما زادت نشوتها بالحب لزوجها وابنتها، اشتد مقتها للمسوخ الاربعة,
اخرجيهم من هنا ياماريا,, القي بهم الى الخارج,, أقول لك,, القي بهم الى الخارج ,وعاد المسوخ الصغار المساكين، بعد أن هزت ابدانهم ودفعوا بوحشية، الى مقعدهم,
بعد الغداء خرج الجميع فذهبت الخادم الى بيونس ايرس وذهب الزوجان والفتاة لنزهة بين منازل الريف وعادت الاسرة والشمس تؤذن بالمغيب ولكن برتا ارادت أن تتحدث قليلا الى جيرانها عبر الطريق بينما هرعت ابنتها الى داخل المنزل,
في غضون ذلك لم يتحرك المعتوهون من مقعدهم طوال اليوم,كانت الشمس قد عبرت الجدار وراحت تغيب خلفه بينما استمروا في التحديق في الجدار وهم فاترو الهمة أكثر من أي وقت مضى,
فجأة اقحم شيء نفسه بين خط رؤيتهم والجدار، كانت اختهم التي شعرت بالملل من خمس ساعات من صحبة والديها فأرادت أن تطالع ما حولها بنفسها ولو قليلا, وتوقفت عند قاعدة الجدار وراحت تتطلع الى اعلاه وهي غارقة في التفكير, ارادت ان تتسلقه ولم يكن ثمة شك في ذلك, واخيرا قررت أن تستعين بمقعد بدون قرص، ولكنها لم تستطع ان تصل الى القمة, عندئذ التقطت علبة كيروسين واستلهمت احساسها النسبي الدقيق بالحيز في وضع العلبة عمودية على المقعد وبذلك وفقت في الصعود,
ورأى المعتوهون الاربعة بتحديقتهم غير المكترثة، كيف ان اختهم نجحت بصبر وطول اناة في أن توازن نفسها وكيف انها، بالوقوف على اطراف اصابع قدميها، وضعت رقبتها على الجدار بين يديها المشدودتين, وتطلعوا اليها وهي تبحث في كل مكان عن موطىء قدم لتصعد الى أعلى, واشتعل وميض الحياة في تحديقة المعتوهين ونفس البريق الملح مثبت في بؤبؤ اعينهم, كانت عيونهم معلقة على اختهم والاحساس المتزايد بالنهم الحيواني يبدل كل ملامح أوجههم, وببطء بدأوا يتقدمون من الجدار, وشعرت الفتاة الصغيرة - التي نجحت في العثور على موطىء قدم وكانت على وشك أن تعلو الجدار وتسقط يقينا الى الجانب الآخر منه, بأنها ممسوكة من ساقها وأرعبها الثماني أعين التي تحدق فيها من اسفلها,
وراحت تصيح وهي تهز ساقها اترك ساقي، دعني أذهب ولكنها كانت اسيرة,
ماما ياماما,, ماما,, بابا , وراحت تصيح بالحاح, ومازالت تحاول في اصرار ان تتسلق الدار، ولكنها شعرت بنفسها تجر وما لبثت أن سقطت,
ماما,, ما-- ولم تعد تستطيع ان تنادي, وضغط أحد الأولاد رقبتها، وهو يفصل جدائل شعرها كما لو كانت ريشا, وسحبها الثلاثة الآخرون من احد ساقيها نحو المطبخ حيث كان دم الدجاجة يصفى ذلك الصباح، وهم يقبضون عليها باحكام وينتزعون منها الحياة ثانية بعد أخرى,
وخل لمازيني وهو في منزل الجيران عبر الشارع أنه سمع صوت ابنته وقال لبرتا:
اعتقد أنها تناديك ,
وانصتوا في قلق ولكنهم لم يسمعوا اي شيء آخر,
ورغم ذلك فبعد لحظة استأذنوا في الانصراف وبينما اتجهت برتا لتضع قبعتها على رأسها، ذهب مازيني الى البهو
برتيتا
ولم يجبه أحد, ,,رفع صوته الذي تغير بالفعل,
برتيتا
وكان الصمت جنائزيا لقلبه المرتعب دائما حتى ان رعدة سرت في جسده ووجف قلبه بحدوث شيء بشع,
ابنتي,, ابنتي وراح يركض باهتياج خلف المنزل، ولكن بينما كان يمر بالمطبخ رأى بحرا من الدم على الأرضية, ودفع الباب نصف المفتوح بعنف ثم اطلق صرخة فزع,
اما برتا التي كانت قد بدأت تعدو بالفعل عند سماعها نداء مازيني المكروب, فراحت تصرخ هي الأخرى, ولكن عندما اندفعت نحو المطبخ وقف مازيني الذي علاه شحوب الموت في طريقها ومنعها من الدخول,
لا تدخلي,, لا تدخلي ,
ولكن برتا رأت الأرضية المغطاة بالدم, ولم تستطع الا ان تطلق صرخة أجشة وتلقي بذراعيها فوق رأسها وتستند على زوجها وهي تتهاوى ببطء لتسقط على الارض,
كاتب من ارجواي واحد اهم الكتاب في تاريخ القصة القصيرة الاسبانية في امريكا اللاتينية اذ ينظر اليه على انه رائد اتجاهين ادبيين رئيسيين من اتجاهات القرن العشرين وهما الكريولية والكوزموبوليتانية, تكشف قصصه عن استغراق شديد وانشغال كبير بالموت العنيف مستمد من حياته الشخصية، فابوه وزوج امه واقرب اصدقائه وزوجته وهو نفسه اما انتحروا اكانوا ضحية لاطلاق النار بصورة عرضية, انغمس في حياة البوهيميين التي كان يعيشها الحداثيون حوالي 1900 مترئسا مجموعة ادبية يشبه اسمها الى حد كبير جماعة المنشدين الجوالين في العصور الوسطى, عاش بعد ذلك في اقليم ميزيونس
Misiones الاستوائي في الارجنتين والذي أمده بالكثير من مواد قصصه التي كتب عدة مجموعات منها, والقصة من كتاب
The Spanish American short Story. Ed. Seymour Menton. University of California press, 1980.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved