التربويون حديثهم عطر والحديث عنهم وعن مآثرهم ظل وثمر والذكر للانسان عمر ثان وموضوع حديث اليوم عن عالم فقدناه ورجل صالح واريناه ألا وهو فضيلة شيخنا طيب الله ثراه محمد الصالح المرشد فلقد كان الفقيد بحق وحقيقة رجل تربية وتعليم من الطراز الاول، بل استاذ اجيال عديدة فلقد كان - رحمه الله - ضمن الدفعة الاولى من كلية الشريعة بمكة المكرمة والذين كان لهم سبق التميز ونفع الله بهم وبعلمهم البلاد والعباد والذين كانوا النواة الاولى والخيرة لمواكب الخريجين في هذه البلاد العزيزة وسدوا، هم ومن اتى من بعدهم، ثغرات كبيرة في التعليم والادارة والقضاء وغيرها، اما فقيدنا رحمه الله فقد تقلب في عدة مواقع تربوية وتعليمية وادارية كان خلالها مثال المعلم الكفء والاداري المدرك والمسؤول الحازم العازم والعفيف النظيف، درّس في معهد بريدة العلمي سنين عديدة، ثم اصبح مديرا لهذا المعهد مدة ليست قصيرة ثم وظف علمه وخبرته وحنكته في تأسيس الجامعة الاسلامية في المدينة النبوية، على ساكنها افضل الصلاة والسلام, فلقد كان رحمه الله ضمن المجموعة الخيرة والكفاءات الوطنية الذين تم اختيارهم لهذا العمل الجليل حيث اصبح رحمه الله عميدا لكلية الشريعة بها لسنوات عدة عرف الجميع خلالها فضله ونبله ومقدرته وحكمته، ثم بعد هذا الجهد الكبير والعطاء الغزير اراد رحمه الله ان يستقر في بلده بريدة فانتقل الى كلية الشريعة واصول الدين بالقصيم مدرسا فيها، فأعطى من علمه وجده وخبرته الشيء الكثير، ثم تقاعد بعد ذلك مواصلا جهده الخير وعطاءه الثر في الفتيا والتدريس والتوجيه والتعليم في مسجده والذي كان عامرا بوجوده، تدريسا وارشادا وتنبيها وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، ودعته الوداع الاخير في مسجده بين العشاءين وكان رحمه الله مستغرقا في تأملاته واحاسيسه الاخروية والمصحف الشريف بين يديه يقرأ ويتدبر، يتذوق ويتأمل، ينتظر الصلاة بعد الصلاة، رباط مجيد وتوجه أخروي سعيد، ومن صفاته رحمه الله الحلم والاناة والصبر والتحمل وحسن التجمل، وكان رحمه الله عفيفا متعففا هادىء الطبع لا يكاد يسمع جليسه كلامه من الهدوء والسمت وعليه وقار العلماء وسمت الفضلاء كما كان ورعا زاهدا صدوقا يحب مكارم الاخلاق مع رأي صائب وبعد نظر كبير لا يرغب المناصب ولا الالقاب ولا الشهرة ولا الظهور وهو في آخر ايامه أشبه ما يكون بمدرسة اصيلة اذ غالب وقته في البحث والمذاكرة يحب الخير كله مبتعدا عن الدنيا وزخرفها، كثير الحياء، عليه سيماء الصلاح والتقوى وكان له همة عالية ورغبة في الدعوة الى الله وتبصير الناس بما يحتاجون اليه من امر دينهم ودنياهم، رحم الله شيخنا الكريم وانزله منازل الصالحين وهذه حال الدنيا هو الموت لا منجى من الموت والذي تحاذر بعد الموت ادهى وافظع خاصة في اعقاب الزمن وكثرة موت الاخيار كما ان موت العلماء وفقد الفضلاء مصيبة عظيمة وفاجعة أليمة، ولله الامر من قبل ومن بعد ولقد اجاد من قال:
وهذا زمان قد ابيد خياره
كسلك نظام فاضلا بعد فاضل
ومفضول هذا الناس اصبح فاضلا
وفاضلنا قد صار تحت الجنادل
رحم الله شيخنا واستاذنا الكريم وامطر على قبره شآبيب رحمته,