الخليج ضد الخليج
د صالح محمد الخثلان
المشاهد لما يسمى بالبرامج الساخنة على القنوات الفضائية الخليجية الحكومية منها والخاصة يخرج بمجموعة من الانطباعات حول تلك القنوات وكذلك دول مجلس التعاون تلك البرامج ليست قاصرة على ما يتناول قضايا سياسية وان كانت اهمها، بل تشمل كذلك برامج تناقش قضايا اجتماعية ودينية هذه البرامج تؤكد اننا امام قنوات تعبئة وليست قنوات توعية والفرق كبير بين الكلمتين بالرغم من تشابه الكثير من الاحرف التوعية فعل ايجابي يساعد على نمو الانسان وتقدم المجتمع، اما التعبئة فهي مشروع سياسي جوهره تجريد الفرد من انسانيته واستخدامه لتحقيق غايات صاحب المشروع
المشروع التعبوي للقنوات الفضائية الخليجية لايخفى سوى على القلة من المشاهدين، وبالرغم من ان دافعه الرئيسي يتمثل في الاثارة، إلا ان اضراره قد لاتكون قليلة النزعة التعبوية للكثير من برامج تلك القنوات واضحة في القضايا التي تطرح للنقاش وفي الاشخاص الذين يدعون للمشاركة في المناقشة وكذلك في طريقة تناول تلك القضايا والتي تتسم بالتبسيط والغوغائية والتحريض على جميع ماهو قائم والتحريض في حد ذاته قد لا يكون سلبيا بشرط احتكامه للعقل حتى لو كانت لغته عاطفية ولكن التحريض في المشروع التعبوي لقنوات الفضاء الخليجية لايمكن إلا ان يكون سلبي النتائج وذلك لافتقاده للعقل ومن ثم يتحول الى توريط للمشاهد بدلا من تحريض فاعل لتصحيح ماهو قائم
الانطباع الثاني الذي يخرج به المشاهد للبرامج الساخنة في فضائيات الخليج هو ان اهل الخليج غير قادرين على فهم مايجري داخل مجتمعاتهم ومايدور حولهم دون الاستعانة بمن يساعدهم على ذلك اهل الخليج وهم على ابواب القرن الواحد والعشرين، وحسب ماتظهره فضائياتهم، يفتقدون للقدرة الذاتية لفهم وتفسير احداث تمس حياتهم، لذلك فهم مرغمون على استئجار خبراء من ابناء المدن التي تمثل مراكز الفكر والثقافة في الوطن العربي هذا الانطباع واضح في هيمنة الخبراء من خارج المنطقة على تلك البرامج الساخنة فمهما كانت القضية المطروحة للنقاش سواء تتعلق بالازمة العراقية او امن الخليج او اسعار النفط أو واقع مجلس التعاون او اوضاع المرأة الخليجية او غير ذلك فلن تجد للخليج صوتا وكأن ابناءه وبناته يفتقدون العقل والوعي
اذاً فضائيات الخليج تناقش قضايا الخليج بأصوات من خارج الخليج هذه الحقيقة تعني شيئين: إما ان الخليج وبالرغم من جهود التنمية الشاملة على مدى ثلاثة عقود لايزال يفتقد للطاقة البشرية المؤهلة القادرة على فهم وتفسير قضايا العصر، او ان هذه الطاقات موجودة فعلا ولكنها غير قادرة على ممارسة دورها في التحليل والتشخيص نتيجة لقيود تحول بينها وبين دورهم الطبيعي في المجتمع
ولاشك ان القول بأن الخليج فاقد للطاقات المؤهلة ليس سوى إدعاء زائف ولا يحمله سوى من يجمعه بالخليج علاقة عداء وكراهية لايمكن للحقائق الصلبة تجازوها إذاً نبقى أمام حقيقة واحدة وهي ان غياب ابناء الخليج عن فضائياتهم سببه انهم فاقدون حق التعبير عن الرأي، بالرغم من مظاهر الانفتاح الذي تدعيه اجهزة الاعلام الخليجية اذاً الخليج ومن خلال تقييده لمشاركة ابنائه في مناقشة قضاياهم يفضح ذاته ويكشف عن عجزه عن تقبل الرأي الآخر القادم من داخل الوطن وليس من خارجه
انطباع آخر يخرج به المشاهد لفضائيات الخليج يتمثل في ان اهل الخليج يعطون اليوم شرعية لاتهامات كانت توجه لهم خلال الستينيات والسبعينيات حول انظمة الحكم والتعامل مع ثروات النفط والعلاقة مع الغرب وكذلك حول مسلماتهم الثقافية هذه الاتهامات والتي كانت تصدر من مراكز الثقافة العربية توفر لها اليوم وسائل اعلام جعلتها تصل مناطق لم تصلها وزاد من جاذبيتها بعد ان كانت محصورة وتطرح بشكل تقليدي رتيب يحد من انتشارها اما اليوم فإن رأس المال الخليجي يمنح كل من له موقف من الخليج الوسائل الاعلامية الحديثة ليوصل موقفه لأكبر عدد ممكن من ابناء الخليج ذاتهم اذاً الخطاب التقليدي ضد الخليج عاد من جديد مستفيدا من احدث الوسائل الاعلامية التي وفرتها له الثروة الخليجية لكي ينتقم من اصحابها الذين رضوا بدور المشاهد المسلوب الإرادة باختصار فضائيات الخليج وبعد ان غيبت صوت ابنائه منحت الفرصة بوعي او بدونه لقلة من المؤدلجين ضده لتشكيل الرأي العام لمواطنيه وتحديد اتجاهاتهم كيف ماارادوا ولاشك ان استمرار هذا الوضع سيسفر عن نتائج لن تكون سارة للكثير لقد حان الوقت للمراجعة قبل ان ينقلب السحر على الساحر


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved