أوراق
عبدالجبار اليحيا
رسالة
تعاد إلى المرسل
البريد
****
ثم ماذا ؟
لنقل مرت الاعوام جراح
لنقل ما رفّ للطير جناح
لنقل هذا الذي مامرّ راح
لنقل أو لا نقل
فكلاه في الهوى أمر مباح
وكلاه وكلاه مستباح
****
ابدو وكأنني ثمل، ويبدو وكأنه شعر، خلت اني هكذا، أبدأ الكتابة فتغدو شعرا، إذاً لأكتب
****
يا له من مسكين مدرس القراءة ·عمر الراشد ، هل كان راشدا حقا؟
ضربني ·فلقة بعد ان انتزع اذني من جسمي معلقا في الهواء، لأنني رسمت ارنبا مذعورا - الارانب دوما مذعورة -
قلت له أحب الرسم، ارسم سيارة - كان ذلك أكثر من خمسين عاما، احب رسم البعير وكان عند جارنا، احب ان ارسم وجها وجديلتين مسّهما الضياء
قال لي ستخلق لهم روحا، الرحمن
قلت له أكره الشيطان واحب الرحمن لأنه رحيم لا يضرب بالعصا، وضربتني - كرهت دروسه واخفيت دفتر الرسم-
ثم ماذا ؟
لا أدرى ، قد تأتي الفكرة مع استمرارية الكتابة ، أليس هكذا يقول المحدثون!
فالافكار تتداعى و وماذا يقولون ايضا؟ آه لقد تذكرت ، يقولون
ان الفكرة ، او القصة، او القصيدة ، أو اللوحة، تأتي تلقائيا في ·غيبوبة الوعي ويقولون الخطأ ان تفكر مسبقا! الورقة بيضاء وهكذا تمتلئ دون ان تدري
أما أنت ، فيجب ان تمتلي لكي يختفي حضورك
ثم ماذا ؟
مضى يومان - ليلتان - وملازمة البيت، والدنيا في الخارج بيضاء، بياض في كل اتجاه الشجر ابيض، سياج الحديقة ابيض، الممرات الصغيرة، الطرقات ، السماء، بياض بياض، الجليد يطغى ويغطي كل شيء، و·القهوة لم تعد أكثر من قهوة
ثم ، كيف تسلل ·محمود محمود البريكان؟ سياحة الفكر، أمر عجيب!
قلت له يا ابني ، محمود شاعر، شاعر وقليل من سمع به، واخبره سعدي كذلك، ثم قرأ دراسة حاتم الصقر عن ·محمود البريكان وبعض قصائده،، ·الفنار ·القوة الطاردة وصورة ذاك الصبي المنعكسة على زجاج مطعم ·علي بابا في البصرة، قصائد قليلة نشرها الاصدقاء
لماذا تسلل محمود؟ والجليد المتساقط منذ عشرة أيام ، عشرة ·أعوام ؟
انهم يقولون أيضا، ·الاحساس بالخطر لا يعرف المسافات في قلب الانسان ألم تر الطيور تفزع قبل هبوب العاصفة؟ وقلب الانسان كبير الى أين تهرع يا محمود؟
****
الازقة وبيوت الطين والعيش الكفاف، انها بلدة محمود - لنسأل هذا الصديق صاحب هذه المكتبة، كنا نتردد عليها منذ خمسين عاما ولا تزال وصاحبها كما كانت، حتما سيعرف شيئا عنه، في اوائل الاربعينات كنا نستعير الكتاب بخمسة ·فلوس لليوم الواحد، فنقرأ الكتاب مهما كثرت أوراقه او صعبت مادته - دون استيعاب - في يوم واحد استيفاء لقيمة ·الخمسة فلوس تربية ·سلامة موسى ، ·حرب البترول في الشرق الاوسط ، ·روكامبول ، ·جرجي زيدان ، ·المنفلوطي ·الام فرتر ، ·بودلير ، ·علي محمود طه ·حماري قال لي - ·يوميات نائب في الارياف - ·زقاق المدق - ·كامل الكيلاني - ·حي ابن يقظان - ·الف ليلة - ·الاغاني - ·سيرة الهلالي ·المعراج - مجلدات مجلة ·الرسالة - ·كل شيء الاثنين والدنيا - ·شرلوك هولمز - ·اللص الظريف قراءة منظمة، اي قراءة كل الكتب المصفوفة على الارفف بالتتالي!!
****
سألنا عنك يا ·محمود في ·تموز طرقات وشوارع البصرة المنهكة المحطمة، والكوريين عمالا، هربوا من قصف مزدوج، ايران وصدام، تركوا الشوارع مهجورة محفورة للمجاري، كمائن للعميان والسكارى، وحواجز لمن بقي من الناس البيوت متعبة، تئن ويسند بعضها البعض، والعديد هدها التعب فاتكأت حجارتها على متن جارتها فانهارت هي الاخرى، اكياس الرمل، المتاريس، اعمدة الكهرباء قناطر كأعواد الثقاب مبعثرة، كلاب، قطط توحشت، كيف الوصول اليك يا محمود؟
****
قد صُفّت الكراسي مسرة للناس
أول قصيدة قرأتها في حفل المدرسة ، كنت في سنينك الأولى، قرأتها بطفولتك الخجولة، واستمر الخجل معك حتى المشيب، هذا الجليد!
آلاف الاميال تباعد بيننا ، ولكنك في الذاكرة ، هل أنت رمز للسكوت؟ للاحتجاج؟ للهروب؟ وممن ؟ ولكنه الجليد يحبس الصحراوي، كما تحبسه الرمال، ام انك الصمت، صمت الصحراء، حينما ظنها الآخرون ظنوك؟
أخيرا هذا هو بيتك، الأنوار مضاءة ، لا بد انك في البيت، نضغط الجرس، نقرع الباب، الصمت إياه، والقصف الايراني صامت ايضا
البيوت كلها مرقشة من شظايا الرصاص والقنابل، زجاج النوافذ واطرها مهشمة، ابواب ·الكراشات مطرزة بفتحات صغيرة وكبيرة وبعضها توسد الارض، أعمدة الشرفات اصابتها الشظايا في الخاصرة، وغربان كثيرة تحط على ·جداريات كالحة في كل مكان
****
تموز في عز الظهيرة
- من أين يأتي هذا الهواء العليل؟
- انها الازقة وبيوت الطين
- ومحمود أين محمود؟
- في بلدته ·الزبير
بيت ·البريكان ، لا زال هناك، في آخر الزقاق على اليسار
- محمود سافر الى جهة ما
ليكن ، ليكن صمتك مخيفا، مهيبا، رهيبا، كصمت الصحراء، ليكن، فأول رشة مزن سينبت العرار، ستنمو الحروف رياحين على جيد الوطن
****
ثم ماذا ؟
- مصطفى لماذا رحلت عنا ؟
التقيته في بغداد وفي الذاكرة جميع ما نشر، قصصه القصيرة، دراساته النقدية، ترجماته
باب صغير ودرج ضيق يحتضن في نهايته طاولة وكرسي، وقلت لي سأعود بعد قليل، ولكنك لم تعد يا مصطفى، وهذه الدنيا مقلاع بيد معتوه، هل كنتم حجارة وكانت الدنيا عراق؟
قالوا لها، وهي تهم بركوب الطائرة ، بعيون شاخصة وطفلين، لتلحق حيث مصطفى
- ألم تجدي غير هذا · زوجا؟ ان مكانك العراق!
هل قالوا ان سجنك العراق؟ ومنعوها من السفر
ومصطفى له الله، ومعونة الاصدقاء، حيث أوصلوه الى ·براغ كما اوصلوا زوجته وطفليه سرا
****
يا حلو ، يا مصطفى
يا زينة البصرة
نوم الهنا ، مصطفى
ما أضيق الحفرة !
سعدي يوسف
رائعة قصيدة سعدي، قصيدة طويلة ووفاء نقي، وحب يضوع، كأفياء النخيل في ربيع البصرة
- ما هذه التجاعيد، ما هذا الهزال؟ ألم تزل عيناك تدمعان عند الضحك؟
كان جسمك المكتنز يهتز مرحاً مع ايقاع ضحكاتك، وصوتك، ألم يزل كما هو آتيا من ايمان عميق تنبسط كلماتك هينة سلسة، فتأتي أفكارك سهلة طيّعة تضفي الهدوء والقناعة
- مصطفى لماذا هذا الهزال
- الكلى، السكر، القلب وتكمل زوجته قتلوه، أودعوه السجن رفسات ·البساطيل اعطبت كليتيه
مر اسبوع والاسبوع الثاني، وصيف براغ يستقبل الخريف ورذاذ المطر والهواء الخفيف والمتاحف والفن ·الغوطي ·والروكوكو وبيت ·كافكا واحاديث فترة غياب طويلة
بدا مرحا سعيدا وهو يجمع عددا من الكتب والاسطوانات
- ·الرجع البعيد انها بحق اول رواية عراقية!
هل تحملنا ارثك يا مصطفى؟
- خذوا هذا معكم، وهذا الكتاب وهذا هل قلت خذوني معكم!
سنخرج هذا اليوم ، سوف نحتفل، سأخرج معكم الى مطعم هندي، سنأكل سمبوسة ·البصرة حارة مليئة بالفلفل والبهارات الهندية
هل يبكي الانسان بدون بكاء؟ هل تتساقط الدموع هكذا بصمت، كنزول الجليد الآن خلف النافذة ، اليس باستطاعة الانسان ان يمنع هذا التساقط؟
****
تقول عبر اسلاك التلفون، بعد يوم من سفركم، تورمت رجلاه، وفي المستشفى رحل عنا بهدوء
بودابست


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved