التعليم العالي رؤى مستقبلية
د خالد بن عبد الله بن دهيش
من ضمن الجهود الكبيرة التي تقوم بها وزارة التعليم العالي مؤخرا، دراسة واقع التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية سعياً لاستشراف المستقبل حيث اقامت الوزارة ندوة )التعليم العالي في المملكة العربية السعودية: رؤى مستقبلية( بمدينة الرياض خلال الفترة 25 - 28 شوال 1418ه الموافق 22 - 25 فبراير 1998م تحت رعاية صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام الذي اناب صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبد العزيز امير منطقة الرياض في رعايتها
ان هذه الندوة الهامة، التي جاءت في وقتها المناسب استجابة للتطورات والمتغيرات الدولية في مجال التعليم العالي، واستجابة للتطورات التنموية المتسارعة التي تقوم بها حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين رائد التعليم الملك فهد بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء - يحفظهم الله جميعاً - للنهوض بهذه البلاد الطاهرة لمواكبة المؤشرات العالمية، ودخول القرن الواحد والعشرين الميلادي بخطى ثابتة مستمدة قوتها من الشريعة الاسلامية السمحة القائمة على القرآن الكريم والسنة النبوية، وسعيا لتحقيق ما تيسر من اهداف التعليم العالي بالمملكة، الذي بدأ عندما تم افتتاح اول كلية جامعية بالمملكة منذ ما يقارب من خمسين عاما وهي كلية الشريعة بمكة المكرمة التي افتتحت عام 1369ه المتمثلة في نشر المعرفة ومواكبة الانفجار المعرفي بين المواطنين بالاضافة الى سد حاجة البلاد من القوى العاملة الوطنية بمختلف التخصصات النظرية والعلمية المدعمة بالعلوم الاسلامية واللغة العربية انطلاقا من مكانة المملكة بصفتها مهد الاسلام وقبلة المسلمين
ولقد تطور التعليم العالي بالمملكة بصورة سريعة في الكم والكيف حتى بلغ عدد الطلاب والطالبات الى ما يربو على )270000( تحتضنهم )160( كلية ومعهد ووصلت ميزانية التعليم العام والعالي الى ما يزيد على 25% من ميزانية الدولة سنويا
كل ذلك جعل من وزارة التعليم العالي تعقد هذه الندوة التي تتناول التعليم العالي من خلال نظرة شاملة تتطرق لأهم عناصر منظومته وهي:
برامج التعليم العالي، اعضاء هيئة التدريس، الطلاب، التمويل
اضافة الى الاسئلة الدقيقة والصريحة التي طرحها معالي وزير التعليم العالي الاستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري في كلمته التي القاها عند افتتاح هذه الندوة والتي طلب من المشاركين في الندوة مناقشتها والاجابة عليها وهي:
- أليس من الضروري استمرار الاهتمام بالدراسات الاسلامية في جميع التخصصات والمجالات المختلفة، انطلاقا من مكانة المملكة بصفتها مهد الاسلام وقبلة المسلمين، وتواصلا للدور الرائد لها في خدمة الاسلام والمسلمين والدفاع عن قضاياه؟
- هل يستمر قبول الطلاب عبر المسارات والاساليب المتبعة حاليا، وذلك بالتركيز على الجامعات دون انواع التعليم العالي والاخرى الفنية والتقنية وغيرها؟ واذا كان التغيير مطلوباً فما السبل الكفيلة بتحقيق ذلك؟
- ما هي الخيارات الاخرى التي يمكن ان يرتادها التعليم العالي؟
- هل التعليم الاهلي التجاري بإغراءاته الربحية وسهولة تنفيذه من جهة وغموض جدواه العلمية والتربوية من جهة اخرى هو الخيار الوحيد المتاح في الوقت الحالي؟
- هل التعليم الأهلي العالي الذي لا يهدف الى الربح هو الاسلوب الافضل لتحقيق مشاركة افضل في عصر يتميز بزيادة مشاركة القطاع الاهلي في برامج خدمة المجتمع؟
- هل التقويم المتبع حاليا لطلاب الثانوية العامة يعد معيارا كافيا للدخول الى الجامعة ومعاهد التعليم العالي الاخرى ام اننا بحاجة الى الاعتماد على معايير اخرى أجدى واكثر ملاءمة؟
- هل مخرجات التعليم العالي كمّاً ونوعا هي نتاج مخرجات مراحل سابقة؟ وكيف يمكن تحقيق الترابط والتنسيق بين المراحل الدراسية ما قبل الجامعة ومراحل الدراسات الجامعية المختلفة؟
- هل هناك ضرورة للتفريع في المرحلة الثانوية الى علمي وادبي او طبيعي وشرعي واداري وتقني، وبالتالي زيادة نسبة خريجي الاقسام النظرية غير العلمية او الطبيعية، بحيث يصعب توجيه غالبية الطلاب الذين يلتحقون في الجامعات الى التخصصات العلمية التطبيقية؟
- هل حققت الجامعات دورها المطلوب في خدمة المجتمع؟ وكيف يمكن تحقيق معادلة خدمة المجتمع كمطلب اساسي في الجامعة، دون الإخلال بواجباتها الرئيسية الاخرى التعليمية والبحثية؟
- ما نوع الترجمة التي نحتاجها، وما الوسائل التي تشجعها؟ وكيف يمكن تنظيم هذه الجهود في جامعاتنا؟
- ما هو نموذج التقويم المناسب لكي تتبعه مؤسسات التعليم العالي السعودية؟ وهل آن الأوان لانشاء هيئة وطنية سعودية للتقويم الاكاديمي؟
- ما هي الآلية التي يمكن ان تسارع في تفعيل التنسيق بين الجامعات وبعضها وبين الجامعات من جهة وبقية مؤسسات التعليم العالي من جهة اخرى؟
ان هذه الاسئلة او التساؤلات الصريحة التي طرحها معالي وزير التعليم العالي تحتاج لعدة ندوات وبحوث ودراسات ميدانية لوضع الاجابات المناسبة التي يطمح اليها معاليه ولن تكفي ال)21( جلسة او ال)45( بحثا او ورقة العمل التي اعدها نخبة مختارة من المختصين بالجامعات ومؤسسات التعليم العالي الاخرى
اضافة الى تلك الجلسات، فقد اشتملت الندوة على ثلاث جلسات ذات دوائر مستديرة ناقش فيها النخبة المختارة من اصحاب المعالي الوزراء ورؤساء الاجهزة الحكومية ومديري الجامعات واعضاء مجلس الشورى والغرف التجارية والمسئولين بالجامعات ومؤسسات التعليم العالي الاخرى ثلاثة مواضيع حساسة هي: التعليم العالي بين التعليم والتوظيف، والقبول في التعليم العالي، والتعليم العالي الأهلي حيث استمر النقاش لكل موضوع حوالي ثلاث ساعات متصلة كان ديدنها المصارحة واقتراح الحلول من خلال تلمّس الجوانب الايجابية والسلبية
كما تخلل الندوة اربع محاضرات ناقشت تجارب دولية مختلفة في مجال التعليم العالي من كل من اليابان وبريطانيا وسنغافورة ومنظمة اليونسكو
وخلال ايام الندوة الثلاثة الصباحية والمسائية خرجت هذه الندوة بتوصيات محددة ودقيقة مرتبطة بآلية مقترحة لتنفيذها، وهذا ما ينبغي ان تكون عليه التوصيات وتتلخص هذه التوصيات فيما يلي:
اولا: استمرار الاهتمام بالدراسات الاسلامية واللغة العربية في جميع التخصصات والمجالات المختلفة انطلاقا من مكانة المملكة بصفتها مهد الاسلام وقبلة المسلمين وتواصلا لدورها الرائد في خدمة الاسلام والدفاع عن قضاياه
ثانياً: اتخاد الاجراءات الكفيلة بربط التعليم العالي بسوق العمل بمشاركة الجهات ذات العلاقة في القطاعين الحكومي والأهلي
ثالثا: رفع مستوى إعداد طلبة التعليم العام بما يؤهلهم للالتحاق بالتعليم العالي او بسوق العمل
رابعا: توجيه القبول في التعليم العالي بما يتناسب مع امكانات مؤسساته وبما يخدم احتياجات التنمية وسوق العمل
خامساً: الارتقاء بمهارات التدريس في التعليم العالي وفاعليته المتعددة بما يواكب التقنيات المعاصرة والتطورات السريعة في مجال المعرفة
سادسا: توظيف البحث العلمي لخدمة اغراض المجتمع ومعالجة مشكلاته واستثماره في صناعة القرار
سابعاً: الاخذ بمبدأ التقويم الشامل والمستمر لجميع عناصر وفعاليات ومواقف العملية التعليمية في التعليم العالي
ثامناً: تنويه فرص مشاركة اعضاء هيئة التدريس في الانشطة التنموية في المجتمع بما يساهم في النمو الذاتي المعرفي والتطبيقي لديهم ويحقق طموحاتهم
تاسعاً: تطوير التعليم الهندسي والتقني بما يكفل توسيع قاعدته لتلبية حاجة السوق على المدى المنظور وتنويع مجالاته
عاشراً: توسيع قاعدة التعليم العالي ودراسة جدوى استحداث انماط جديدة للتعليم العالي مناسبة لظروف المجتمع واحتياجاته ومحققة لمعايير الجودة النوعية في التعليم
حادي عشر: تنويع مصادر تمويل التعليم العالي بما يكفل له تقديم الخدمة التعليمية بمستوى عال
ثاني عشر: تفعيل التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي المختلفة لتقليص الازدواجية، وحسن استثمار الجهود الموحدة في خدمة التعليم العالي واغراضه
ثالث عشر: متابعة الجهود العلمية في مجال استشراف مستقبل التعليم العام بعامة والتعليم العالي بخاصة وتوفير المعلومات ذات العلاقة
رابع عشر: العمل على استمرار عقد سلسلة من الندوات العلمية في ميادين التعليم العالي بصفة دورية ترعاها الجامعات وتقوم وزارة التعليم العالي بعقد ندوة شاملة بعد ثلاث سنوات
سسخامس عشر: تشكيل لجنة متابعة توصيات الندوة
وإن كنت شخصيا اتمنى إن تضمنت الندوة توصية عن التعليم العالي الأهلي امتدادا لما ورد في قرار مجلس الوزراء الموقر الصادر في 18/2/1418ه الذي يعتبر وثيقة وضعت الاساس الواضح والصريح عن سياسة الدولة - وفقها الله - تجاه التعليم العالي الأهلي وكنتيجة لما دار خلال الندوة من بحوث ومناقشات خلال المائدة المستديرة حول الكيفية التي يجب ان يكون عليه التعليم العالي الاهلي، واجابة لتساؤل معالي الوزير حول التعليم العالي الاهلي كما ان التوصيات لم تخص الفتيات بتوصيات محددة تدعم التوسع في تعليمهن التعليم العالي الذي يناسبهن ويناسب حاجة البلاد من التخصصات المناسبة للفتاة السعودية للقيام بدور ايجابي فعال في التنمية الاجتماعية والتعليمية والصحية والاقتصادية دون اخلال بوظيفتها الاساسية كامرأة، ووفقا للشريعة الاسلامية وتقاليد وعادات المجتمع السعودي
وأعتقد ان التوصية الرابعة عشرة التي تؤكد على عقد سلسلة من الندوات العلمية في ميادين التعليم العالي بصفة دورية ستناقش العديد من المواضيع التي طرقت خلال الندوة ولم تأخذ نصيبها من البحث المتعمق والنظرة الشاملة ومنها التعليم العالي الأهلي
وكيل الرئيس العام لتعليم البنات المساعد للتخطيط والتطوير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved