قد لا نبالغ اذا قلنا ان العلوم الاجتماعية والانسانية والآداب قد تكون الضمانة الوحيدة في خلق الشخصية الوطنية لطلاب وطالبات مؤسسات التعليم العالي هذه العلوم تتعرض اليوم لهجمة شرسة من قبل أصحاب رأس المال ومن المروجين لفكرة تطويع التعليم العالي لاحتياجات السوق حيث نجدهم يشككون في جدوى الاستمرار في تعليمها ويدعون الى التقليص منها او حتى الغائها نهائياً
لقد اظهرت حلقة النقاش عدم قدرة المشاركين على التعامل مع قضية دور مؤسسات التعليم العالي في خلق الشخصية الوطنية السوية بل تحامل البعض على الجامعات وأسهب في توجيه الاتهام لها في تضييع الجهد والوقت والمال في تدريس تخصصات نظرية زعموا انعدام اهميتها وعدم جدواها في خدمة متطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل وللأسف لم يتح للأكاديميين فرصة المشاركة في مناقشة هذه القضية الخطرة ولبيان ما عجز المشاركون عن فهمه وعلى الرغم من ان بعض المشاركين كانوا أكاديميين سابقاً الا أن آراءهم عكست هموم مؤسساتهم الآنية
وعلى النقيض مما قاله الاستاذ عبدالله المعلمي بأن الأكاديميين يحملون أجندة خفية، نقول بأن هذه الأجندة موجودة وفعلاً ولكنها صريحة وليست خفية وواضحة وضوح الشمس الاكأديميون يقفون بقوة أمام مساعي التجار، أو من نسميهم خطأ بالقطاع الخاص، لتوجيه التعليم العالي لخدمة مصالحهم الذاتية دون وعي أو اهتمام بالمصلحة العامة ان تكرار الحديث عن ضرورة المواءمة بين برامج التعليم العالي واحتياجات السوق قد يتسبب في اخضاع التعليم العالي لمعايير القطاع الخاص الذي يؤكد اصراره على عدم توظيف المواطنين علىجشعه وانانيته، ويجب ألا نسمح لهؤلاء بتوجيه تعليمنا العالي حسب رغباتهم واحتياجاتهم وهم في النهاية سيصرون على إعطاء الأولوية للعامل الأجنبي المطيع ولن يعدموا الحجج لتبرير اصرارهم
كمنا يؤكد الأكاديميون على ان ما يسمى بأخلاقيات العمل التي يزعم القطاع الخاص اقتقار المواطن السعودي لها، من شعور بالمسئولية وقدرة على التحليل والتعلم الذاتي والانفتاح على الآخرين والابداع هي خصال لا يمكن للطالب الجامعي اكتسابها الا من خلال العلوم الانسانية والاجتماعية والآداب
أخيراً اشير الى ان شكوى الدكتور صالح المالك من استمرار صرف المكافآت الجامعية واعتبارها هدراً لموارد الدولة ودعوته لإيقافها يؤكد على أن رأيه هذا يعكس اشكالية استاذ علم الاجتماع الذي عزلته الوظيفة عن مجتمعه فلم يعد قادراً على ادراك الحالة المعيشية المتردية للنسبة الكبرى من الملتحقين بالجامعات في العشر سنوات الأخيرة ولعل هذا يكون موضوعاً لمقال قادم