عفواً قضية التعليم العالي لم تحسم بعد 1/2
د صالح محمد الخثلان
لقد أحسنت وزارة التعليم العالي صنعا بتنظيمها لندوة حول مستقبل التعليم العالي في المملكةولعل أجمل ما في هذه الندوة توقيت انعقادها حيث جاءت، ونحن على ابواب القرن الحادي والعشرين وبحاجة ماسة لرؤية استراتيجية مبنية على أسس علمية دقيقة تساعدنا على مواجهة مجموعة كبيرة من التحديات التي بدأت تتضح معالمها في السنوات الاخيرة
ومن بين القضايا التي طرحت للبحث والمناقشة مسألة فلسفة التعليم العالي واهدافها ولا أخفيكم سرا بأنني قد اصبت بخيبة أمل كبيرة لما سمعته من آراء قدمها المشاركون في المائدة المستديرة حول هذه القضية والتي عقدت تحت عنوان: التعليم العالي بين التعليم والتوظيف لقد قدم المشاركون تصوراتهم حول هذه القضية وكان عدد كبير منها محل استغرابنا، إلا ان الطريقة التي اديرت بها المناقشة وإصرار رئيس الجلسة عدم السماح بالاستماع الى أي مداخلات من الحضور، وجميعهم من المهتمين من الأكاديميين والمسؤولين وقيادات الفكر، حالت دون مناقشة الكثير من النقاط التي طرحها المشاركون الرئيسيون الذين بدوا للحضور وكأنهم يتحدثون الى أنفسهم دون شعور بالتواجد الكبير في القاعة ويصعب ان نقبل تبرير رئيس الجلسة عدم قبول المداخلات بحجة ضيق الوقت حيث كان الوقت كافيا لو أحسنت ادارته لذا حملت أوراقي ورأيت الاستفادة من هذه الصفحة للتعبير عما جال بخاطري حول بعض ما ذكر
في البداية نجد ان بعض المشاركين قفز القضية المطروحة حول فلسفة التعليم العالي وتحدث مباشرة عن احتياجات سوق العمل وشكك في قدرة الجامعات على تهيئة الطلاب لتلبية تلك الاحتياجات الدكتور صالح المالك استغرب طرح مثل هذه القضية للنقاش في هذا الوقت حيث أكد على انها قد حسمت في نهاية القرن الماضي واصبح التعليم العالي يهدف الى تخريج طلاب قادرين على الكسب
الأستاذ عبدالله المعلمي ادعى ان عنوان حلقة النقاش يعكس أجندة خفية للأكاديميين الذين هدفوا من خلال طرح هذه القضية الى اعلان اختلافهم مع ما نسمعه اليوم حول ضرورة مواءمة برامج التعليم واحتياجات سوق العمل كما أكد على ان قضية اهداف التعليم العالي محسومة اصلا، ودعا الى تجاوزها والبحث في المسألة الأهم والمتمثلة في مواءمة ما يسمى مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل لقد لاحظ الحاضرون اجماع المشاركين حول هذه القناعة ومع احترامنا لما ذكره المشاركون، إلا اننا نؤكد على ان القضية لم تحسم بعد، ويجب ان تبقى مفتوحة لمزيد من النقاش، كما نشير الى ان حلقة النقاش جاءت قاصرة وكشفت عن عجز المشاركين عن تناول قضية فلسفة التعليم العالي بشكل شامل وبمنهج موضوعي بعيد عن أي مصالح ذاتية ولعل السبب في ذلك كون جميع المشاركين باستثناء الدكتور عبدالمحسن الداود، يتحدثون بصفة المسؤولين الذي ينظرون للقضية من زاوية مصالح مؤسساتهم التي تواجه اليوم حرجا كبيرا بشأن علاقتهم بالخريجين من مؤسسات التعليم العالي وما يعانونه من ضغوط فيما يتعلق بمسألة توفير الفرص الوظيفية هذه الخلفية اعاقت المشاركين من التعامل مع القضية المطروحة بتصور شامل يأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية في اطارها الكلي
ولكن لنفترض صحة ما ذكره المشاركون حول عدم جدوى الحديث في قضية محسومة، وان التعليم العالي يجب ان يوجه الى خدمة التنمية من خلال توفير الطاقات البشرية اللازمة لتحقيق أهداف الخطط التنموية نقول: ان مثل هذا الزعم يعكس تصورا قاصرا لدور مؤسسات التعليم العالي في التنمية حيث يحصر هذا الدور في توفير أيد عاملة ومهارات هندسية كانت أو طبية أو إدارية أو محاسبية وغيرها مما يحتاجه سوق العمل من قدرات هذا التصور يلغي بعدا آخر في علاقة التعليم العالي بالتنمية والمتمثل في خلق المواطن الصالح، ولكي لا يساء فهمي فالمقصود بالمواطن الصالح ليس ما يروج له الاعلام العربي الرسمي حول مواطن مطيع سهل الانقياد مستعد للتضحية دون أي شرط، فهذا تشويه لمعنى المواطن الصالح، حيث المعنى الحقيقي يتمثل المواطن الواعي بحقوقه وواجباته صاحب الرأي الناقد لما يدور من حوله، الحريص على المشاركة في جميع ما يتخذ في شأن حياته وفي شأن وطنه من قرارات مواطن منتم لوطنه ولأمته وكذلك منفتح على الآخرين، مؤمن برأيه ومحترم لآراء غيره خلق هذا المواطن الصالح قد يكون اسمى أهداف التعليم العالي وأكثر أهمية من تخريج أيد عاملة وطاقات بشرية حسب تصورات أصحاب رأس المال الجشع الذين بالرغم من مزاعم الوطنية ليس همهم ان يكون خريج الجامعة مواطنا سويا بل عاملا مطيعا يلازمه الخوف على مستقبله الوظيفي الذي يدفعه للانتاج حتى على حساب صحته وعلاقته بأسرته ووطنه هذا ما غاب عن أذهان المشاركين الذين زعموا اننا نضيع الوقت في جدل عقيم حول فلسفة التعليم العالي، وقد يكون الجدل عقيما لمن لا يعي خطورة دور التعليم العالي في مسألة المواطنة
وللحديث بقية


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved