مصير العالم بين قزوين والخليج 2/2
د صالح محمد الخثلان
ذكرنا في الاسبوع الماضي ان نقل النفط والغاز الى الاسواق العالمية يمثل احداهم الصعوبات التي تواجه الدول المطلة على بحر قزوين في سبيل استثمارها لثرواتها الطبيعية واشرنا الى حركة تنافس اقليمي ودولي نتج عنها طرح كبير من البدائل لخطوط نقل الكميات الكبيرة من النفط والغاز المتوقع البدء في انتاجها في السنوات الاولى من القرن القادم ومن بين هذه الخطوط المقترحة منفذ يبدأ من باكو ويمر عبر الاراضي الجورجية حيث يفرغ النفط في ميناء باتومي على البحر الاسود ومن ثم ينقل الى الاسواق الغربية عبر مضيق البسفور ويواجه هذا الانبوب المقترح مشكلة عدم الاستقرار السياسي في جورجيا وكذلك استمرار الصراع في ابخازيا كما تم طرح مقترح اخر لانبوب يمر من باكو عبر الاراضي الجورجية مباشرة الى تركيا حيث يفرغ النفط في ميناء سيحان على البحر المتوسط ويواجه هذا الانبوب مشكلة تكلفته الكبيرة
الغاز التركماني الذي تبلغ احتياطاته 99 ترليون قدم مكعب يصدر الان عبر خطوط قديمة تمر في الاراضي الروسية وبسبب حرص الحكومة الروسية على اعطاء الاولوية للغاز الروسي للوصول الى الاسواق العالمية تنحصر صادرات تركمانستان في مستهلكين غير قادرين على الدفع المباشر ومنهم جورجيا وارمينيا واوكرانيا ومع الاكتشافات الكبيرة تبحث عشق اباد عن طرق جديدة لتصدير غازها حيث تقدمت عدد من الشركات بمشروع مد خط انابيب لتصدير 16 بليون قدم يوميا الى باكستان عبر افغانستان ولكن يبقى الصراع الافغاني معظلة كبيرة امام تنفيذ هذا المشروع كما ان هناك مشروعا اخر لبناء انبوب يبلغ طوله 4200 ميل لتصدير الغاز التركماني الى الاسواق اليابانية عبر اسيا الوسطى والصين وقد تقدم بهذا المشروع عدد من الشركات من اهمها ميستوبيشي واكسون والمؤسسة الصينية للنفط و مشكلة هذا الخط الرئيسة هي تكاليفه التي تصل الى 10 مليار دولار كما يتطلب تنفيذه سنوات طويلة الاراضي الايرانية حظيت بثلاثة مقترحات لتصدير نفط وغاز قزوين الاول مشروع انبوب يمر بتركمانستان حيث ينقل النفط الاذري والقازاقي الى ايران ومن ثم الى الخليج العربي، المشروع الثاني فيتمثل في مد أنبوب يبدأ من باكو باتجاه الجنوب الى ايران ينتهي في المواني الايرانية على الخليج العربي، اما البديل الثالث فهو خط انابيب يمر عبر الاراضي الايرانية ويتجه غربا الى ميناء سيحان التركي كما أن هناك بديلاً آخر يتمثل في مقايضة النفط والغاز بين ايران وقازاخستان وتركمانستان حيث تلبي هذه الدول احتياجات شمال ايران مقابل بيع ايران كميات من نفطها كسداد لهم ، وقد وقعت قازاخستان وايران اتفاقيات بهذا الشأن
المشكلة الرئيسية التي تواجه الانابيب المقترحة عبر ايران تتمثل في الحظر الامريكي على أي تعاون تجاري مع ايران حيث ان هذه المشاريع تتطلب مبالغ كبيرة لايمكن توفيرها دون مساهمة الشركات الامريكية او الاوربية التي تخشى من القانون الامريكي الذي ينص على معاقبة اي شركة مهما كانت هويتها في حالة تعاونها مع ايران في مشاريع طاقة تتجاوز قيمتها 20 مليون دولار وحيث ان الاراضي الايرانية تعد الافضل من الناحية التجارية ، وكذلك بسبب الخشية من الهيمنة الروسية على المعابر الشمالية ، وبسبب حالة عدم الاستقرار في جورجيا فقد بدأت الشركات الامريكية الضغط على الادارة الامريكية من أجل تغيير موقفها من ايران والتخفيف من معارضتها لمشاريع الانابيب عبر اراضيها وقد وظفت تلك الشركات عددا من مراكز الابحاث لاقناع الحكومة الامريكية بضرورة تعديل سياساتها تجاه ايران ولعل ذلك هو السبب الرئيسي الذي يقف خلف الانتقادات الحادة التي يوجهها الخبراء الامريكيون لسياسية الاحتواء المزدوج وحرصهم على كشف عيوبها ودعوتهم الى ضرورة استبدالها بما يسمى بسياسة الارتباط ونلاحظ ان هذه المعارضة قد بدأت تأتي ثمارها حيث خففت الحكومة الامريكية من معارضتها لمشروع نقل نفط بحر قزوين الى تركيا عبر ايران
ونشير الى ان ثروات بحر قزوين قد بدأت في التأثير على السياسة الامريكية تجاه ايران حيث اخذنا نسمع عن ان يران التي تعيش اليوم خلافات مع الولايات المتحدة قد تصبح ركيزة اساسية للاستراتيجية الامريكية في المنطقة في القرن القادم، ولعل ذلك راجع الى موقع ايران المتميز حيث تربط اهم منطقتين جغرافيتين في العالم من حيث مصادر الطاقة، حيث تشير الدراسات الى ان الخليج العربي وبحر قزوين يحتويان على 70% من احتياطات العالم من النفط و 40% من احتياطاته من الغاز ولازالت الاكتشافات الجديدة مستمرة، اما بحر قزوين فتصل التقديرات الى 200 بليون برميل من النفط و280 بليون قدم مكعب من الغاز وهناك مساحات كبيرة لم تصلها التنقيبات بعد تمركز هذه الثروات التي يعتمد عليها اقتصاد العالم في هاتين المنطقتين لابد ان يجعل احتواء الدول الاسلامية المطلة على قزوين والخليج محور الاستراتيجية الغربية للعقود القادمة
بحر قزوين اذا سيصبح خلال سنوات قليلة اهم مصادر الطاقة بعد الخليج العربي ويؤكد ذلك الاهتمام الغربي الكبير كما ستتضح اهمية قزوين بشكل اكبر في السنوات الاولى من القرن الحادي والعشرين حين تبدأ حقوله بتزويد الاسواق العالمية بالنفط والغاز بكميات تجارية وعلى الرغم من ان الخليج العربي سيبقى في موقع الصدارة في انتاج وتصدير النفط والغاز الا ان الاكتشافات الجديدة في بحر قزوين تستوجب منا التفكير الجاد في مستقبل الاعتماد الكلي على بيع الطاقة كمصدر للدخل ولعلنا نجد في الازمة الاخيرة المتمثلة في الانخفاض الكبير في الاسعار وما لحق دول الخليج من خسائر بسببها مؤشرا كافيا على الحاجة الى الاسراع في البحث في مسألة تنويع مصادر الدخل وحيث ان البدائل المتاحة امامنا محدودة ، فقد يكون الحل الامثل في إجراءات ترشيد حقيقية للانفاق لاتضر بالمستويات المعيشية للمواطنين، مما قد يترتب عليها اثار سياسية، ولكن يجب ان تكون إجراءات تضع حداً للكثير من اوجه الانفاق التي نشك في فائدتها ومن أهمها ما يسمى بصفقات العصر


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved