زكاة الفطر
الشيخ عبدالله بن صالح القصير
معنى زكاة الفطر
أي: الزكاة التي سببها الفطر من رمضان وتسمى أيضاً: صدقة الفطر، وبكلا الاسمين وردت النصوص
وسميت صدقة الفطر بذلك لأنها عطية عند الفطر يراد بها المثوبة من الله، فإعطاؤها لمستحقها في وقتها عن طيب نفس، يظهر الرغبة في تلك المثوبة، وسميت زكاة لما في بذلها - خالصة لله - من تزكية النفس، وتطهيرها من أدرانها وتنميتها للعمل وجبرها لنقصه
وإضافتها إلى الفطر من إضافة الشيء إلى سببه، فإن سبب وجوبها الفطر من رمضان - بعد إكمال عدة الشهر برؤية هلاله - فأضيفت إليه لوجوبها به
تاريخ تشريعها والدليل عليه
وكانت فرضيتها في السنة الثانية من الهجرة - أي مع رمضان - وقد دل على مشروعيها عموم القرآن، وصريح السنة الصحيحة، وإجماع المسلمين قال تعالى: ·قد أفلح من تزكى أي: فاز كل الفوز، وظفر كل الظفر من زكى نفسه بالصدقة، فنماها وطهرها
وقد كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يأمر بزكاة الفطر ويتلو هذه الآية
وقال عكرمة - رحمه الله - في الآية: هو الرجل يقدم زكاته بين يدي - يعني قبل - صلاته ·أي: العيد وهكذا قال غير واحد من السلف - رحمهم الله تعالى - في الآية هي زكاة الفطر
وروي ذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند ابن خزيمة وغيره وقال مالك - رحمه الله - هي يعني زكاة الفطر - داخلة في عموم قوله تعالى: ·وآتوا الزكاة وثبت في الصحيحين وغيرهما من غير وجه: ·فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر وأجمع عليها المسلمون قديماً وحديثاً، وكان أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها
حكمها: حكى ابن المنذر - رحمه الله - وغيره الإجماع على وجوبها وقال إسحاق - رحمه الله - : ·هو كالإجماع
قلت: تكفي في الدلالة على وجوبها - مع القدرة في وقتها - تعبير الصحابة - رضي الله عنهم - بالفرض، كما صرح بذلك ابن عمر وابن عباس قال ابن عمر رضي الله عنهما: ·فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ·الحديث، وبنحوه عبر غيره رضي الله عنهم
حكمة تشريعها: شرعت زكاة الفطر تطهيراً للنفس من أدرانها، من الشح وغيره من الأخلاق الرديئة، وتطهيراً للصيام مما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما، وتكميلاً للاجر وتنيمة للعمل الصالح، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناء لهم من ذل الحاجة والسؤال يوم العيد
فعن ابن عباس مرفوعاً: ·فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين رواه أبو داود والحاكم وغيرهما
وفيها: إظهار شكر نعمة الله تعالى - على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وما يسر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه
وفيها: إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم
على من تجب الفطرة
زكاة الفطر زكاة بدن فتجب على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى، حراً كان أو عبداً وسواء كان من أهل المدن أو القرى، أو البوادي، بإجماع من يعتد بقوله من المسلمين ولذا كان بعض السلف يخرجها عن الحمل
قلت: وليست واجبة عن الحمل لكن لعل هذا من شكر نعمة الله بخلقه والرغبة إلى من وهبه أن يصلحه
ومن أدلة وجوبها: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ·فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على العبدوالحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة متفق عليها ونحو هذا الحديث، مما فيه التصريح بالفرض والأمر، وإنما تجب على الغني - وليس المقصود بالغني في هذا الباب الغني في باب زكاة الأموال - بل المقصود به زكاة الفطر من فضل عنده صاع أو أكثر - يوم العيد وليلته من قوته وقوت عياله، ومن تجب عليه نفقته
وغير المكلفين كالأيتام، والمجانين، ونحوهم يخرجها عنهم من مالهم من له عليه ولاية شرعية فإن لم يكن لهم مال فإنه يخرجها عنهم من ماله من تجب عليه نفقتهم، لعموم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ·أدوا الفطر عمن تمونون
أنواع الأطعمة التي تخرج منها زكاة الفطر
ثبت في الصحيح عن ابي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: ·كنا نعطيها - يعني صدقة الفطر - في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من الزبيب متفق عليه
وفي رواية عنه في الصحيح، قال: ·وكان طعامنا الشعير والزبيب والإقط والتمر
فالأفضل الاقتصار على هذه الأصناف المذكورة في الحديث ما دامت موجودة، ويوجد من يقبلها ليقتات بها، فيخرج أطيبها وأنفعها للفقراء، لما في البخاري أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يعطي التمر، وفي الموطأ عن نافع: كان ابن عمر لا يخرج إلى التمر في زكاة الفطر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيراً - أعوز أهل المدينة من التمر - يعني: لم يوجد في المدينة- فأعطى شعيراً
وفي هذا تنبيه على انه ينبغي ان يخرج أطيب هذه الأصناف وأنفعها لهم، ومذهب مالك والشافعي واحمد والجمهور ان البر افضل ثم التمر قال تعالى: ·لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فإخراجها من أحد هذه الأصناف إذا أوجد من يقبله ليقتات به أفضل لأن فيه موافقة للسنة، واحتياطاً للدين فإن لم توجد فبقية أقوات البلد سواها
وذهب بعض أهل العلم - وهو قول مالك والشافعي وأحمد وغيرهم - إلى أنه يجزىء كل حب وثمر يقتات ولو لم تعدم الخمسة المذكورة في الحديث، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية واحتج له بقوله تعالى: ·من اوسط ما تطعمون أهليكم وبقوله صلى الله عليه وسلم: ·صاعاً من طعام والطعام قد يكون براً أو شعيراً وقال: هو قول أكثر العلماء واصح الأقوال فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المواساة للفقراء
قال ابن القيم - رحمه الله - : ·وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذا المقصود سد خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتات اهل بلدهم، لقوله صلى الله عليه وسلم ·اغنوهم في هذا اليوم عن الطواف
قلت: وهذا اجتهاد من هؤلاء الائمة الأعلام - رحمهم الله تعالى - وإلا فلاشك انه اذا وجد احد الأصناف التي نص عليها صلى الله علية سلم ووجد من يقبله - رغبة فيه لأنه من قوته المعتاد أما إذا كان غير هذه الأصناف احب الى الناس وايسر لهم فهو اولى لما يتحقق به من المواساة والإغناء فإن إخراج الفطرة منه هو المتعين، فقد قال صلى الله عليه وسلم ·البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك ·رواه الإمام أحمد والدارمي -ر حمهما الله - باسناد حسن وقد قال ابو سعيد - رضي الله عنه - أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: صاعاً من طعام لا نصف صاع
المقدار الواجب في الفطرة
ثبت في الأحاديث الصحيحة ان النبي صلى الله عليه وسلم: ·فرض زكاة الفطر صاعاً والمراد به: صاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو اربعة امداد والمد: ملء كفي الرجل المتوسط اليدين من البر الجيد ونحوه من الحب وهو كيلوان ونصف على وجه التقريب، وما زاد على القدر الواجب ينويه من الصدقة العامة، وقد قال تعالى: ·فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يراه
وقت إخراج الزكاة
لإخراج زكاة الفطر وقتان: الأول: وقت فضيلة ويبدأ من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد وافضله ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، لما ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ·فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ·الحديث وفيه قال: ·وأمر ان تؤدى قبل خروج الناس اى الصلاة وتقدم تفسير - بعض السلف - قوله تعالى: ·قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى انه الرجل يقدم زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته
والثاني: وقت إجزاء: وهو قبل العيد بيوم او يومين لما في صحيح البخاري - رحمه الله - قال: ·وكانوا - يعني الصحابة - يعطون - اي المساكين - قبل الفطر بيوم او يومين فكان إجماعاً منهم وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما - :·فمن اداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات رواه ابو داود وغيره
قال شيخ الإسلام: ·إن أخرها بعد صلاة العيد فهي قضاء، ولا تسقط بخروج الوقت
وقال غيره: ·اتفق الفقهاء على انها لا تسقط عمن وجبت عليه بتأخيرها، وهي دين عليه حتى يؤديها، وأن تأخيرها عن يوم العيد حرام ويقضيها آثماً اجماعاً إذ أخرها عمداً
لمن تعطى صدقة الفطر
في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ·فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ففي هذا الحديث انها تصرف للمساكين دون غيرهم وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ·ولا يجوز دفعها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم
ويجوز ان يعطي الجماعة أو اهل البيت زكاتهم لمسكين واحد وان تقسم صدقة الواحد على اكثر من مسكين للحاجة الشديدة
ولكي ينبغي ان تسلم لنفس المسكين أو لوكيله المفوض في استلامها من قبله
إخراج قيمة زكاة الفطر
لا يجوز إخراج قيمة زكاة الفطر ·بدلاً عنها لنص النبي صلى الله عليه وسلم على انواع الأطعمة مع وجود قيمتها فلو كانت القيمة مجزئة لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وكذلك فإنه لا يعلم ان احداً من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرج زكاة الفطر نقوداً - مع إمكان ذلك في زمانهم - وهم أعرف بسنته واحرص على اتباع طريقته
وايضاً فإن إخراج القيمة يفضي الىخفاء هذه الشعيرة العظيمة، وجهل الناس بأحكامها، واستهانتهم بها
قال الإمام أحمد: لا يعطى القيمة قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة؟
قال: يدعون قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: فلان وقد قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر
قلت: فإخراج القيمة بدلاً عن الطعام لا يجوز لانه مخالف لامر النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وعمل اصحابه من بعده - وإن قال به بعض اهل العلم - فالعبرة بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بما يخالف هديه من آراء الرجال قال ابن عباس - رضي الله عنهما: يوشك ان تنزل عليكم حجارة من السماء اقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال ابو بكر!!
نقل زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلد آخر
الأصل ان الشخص يدفع زكاة فطره لفقراء البلد الذي وجبت عليه الزكاة وهو فيه - وهي انما تجب بغروب الشمس ليلة العيد - ونقلها إلى بلد آخر يفضي إلى تأخير تسليمها في وقتها المشروع وربما افضى إلى إخراج القيمة وإلى خفاء تلك الشعيرة، وجهل النا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فيها ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن احد من خلفائه الراشدين ولا عن احد من اصحابه - رضي الله عنهم - فيما اعلم انهم نقلوها من المدينة إلى غيرها وبناءً عليه فنقلها في هذا الزمان من مجتمع إلى آخر، والذي يدعو إليه بعض الناس ويغرب فيه معدود من الأعمال المحدثة التي يجب الحذر منها والبعد عنها وتنبيه الناس على ما فيه من المخالفة والله المستعان
أما كون الإنسان يوكل اهله ان يخرجوا الزكاة في بلدهم وهو في بلد آخر فليس من هذا الباب، فإن الكلام في نقل زكوات بعض أهل بلد إلى آخر، فإنه هو الذي قد يترتب عليه المحاذير السابقة، ولهذا نبهت عليه


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved